يعيش الشعب المصري أوقاتاً عصيبة وسط تصريحات وتسريبات من هنا وهناك لا يعلم مدى صحتها إلا الله.
ميدان التحرير يعج بالمتظاهرين الذين أعلنوا اعتصاماً مفتوحاً حتى تستقر الأمور وتعلن اللجنة العليا للانتخابات هوية الرئيس الجديد لمصر، قاموا يطلقون الألعاب النارية احتفالاً بفوز مرشح الإخوان المسلمين الدكتور محمد مرسي، وهو ما أجمع عليه معظم الجهات الراصدة لنتائج انتخابات الإعادة وكذلك الصحف المصرية والقنوات الفضائية.
في مشهد آخر، يؤكد الفريق أحمد شفيق ثقته الكاملة بأنه الفائز بمقعد الرئاسة والتف حوله العشرات من أنصاره يحتفلون بتتويجه رئيساً للجمهورية بلا منافس. ولكن البعض يتساءل، من أين أتت ثقتهم بأن شفيق هو الفائز على الرغم من تضارب تصريحات مسؤولي حملته الذين رفضوا الإعلان عن أية أرقام تؤكد ثقتهم بالفوز، فيما أكدوا ثقتهم بالمجلس العسكري.
وسط كل هذه الأجواء المتوترة، لم تغب روح الدعابة عن المصريين، الذين وجدوا حلاً لهذا التضارب في التصريحات، فأعلنوا على مواقع التواصل الاجتماعي "حفاظاً على المناخ الديموقراطي، لماذا لا يتولى مرسي الحكم أيام السبت والاثنين والأربعاء من كل أسبوع، فيما يتولاه شفيق أيام الأحد والثلاثاء والخميس، والجمعة تكون مليونية من حق الشعب". هذا هو الشعب المصري الذي اعتاد ألا تفارقه البسمة حتى في أصعب الأوقات.
فيما كانت كافة طوائف الشعب عاكفة على رصد وتجميع نتائج فرز انتخابات الإعادة التي أشارت بشكل واضح إلى تقدم الدكتور محمد مرسي، خرج المجلس العسكري بإعلانه الدستوري المكمل، توقيت غريب، وبيان أغرب، جرد الرئيس القادم من كافة صلاحياته، وأعلن استيلاء المجلس العسكري على السلطة التشريعية في البلاد، وهو ما يتنافى مع مبدأ الجمع بين السلطات، كما أفاد بذلك الفقهاء الدستوريون، جاء ذلك بعد إعلان حل مجلس الشعب الذي أتت به لأول مرة في تاريخ مصر انتخابات حرة شهد العالم بنزاهتها، وبالتبعية تم حل اللجنة التأسيسية للدستور، وأعلن المجلس العسكري أنه يجري العمل على انتخاب لجنة بديلة، والتزامه بتسليم السلطة نهاية الشهر الجاري.
كل هذه القرارات الغريبة كانت محل انتقاد من كافة القوى العالمية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية التي ناشدت المجلس العسكري بأن يمضي في طريق الديموقراطية دون صدام مع الشعب.
لماذا انتظر المجلس العسكري كل هذه الفترة على مجلس الشعب مع علمه بعدم شرعيته؟ لماذا وافق على انتخاب اللجنة التأسيسية مع عدم اقتناعه بها؟ لماذا تم تعيين رئيس الحرس الجمهوري "رئيس الياوران" الآن بالذات؟ لِم كل هذه القرارات التي اتخذت متتالية في هذا الوقت العصيب دون انتظار الرئيس القادم؟ لماذا استباق الأمور؟ كثير من علامات الاستفهام، فهل من إجابة؟
المشهد الأخير، الذي عاد بنا إلى أجواء النظام السابق، هو إعلان وكالة أنباء الشرق الأوسط، الوكالة الرسمية في مصر، خبر وفاة مبارك إكلينيكياً، وتضاربت التقارير حول صحة الرئيس السابق، مات، لم يمت، في غيبوبة، يتمتع بصحة جيدة، يستجيب للعلاج، وضع على جهاز التنفس الصناعي. فهل كان الهدف هو نقل مبارك إلى مستشفى المعادي؟ لن يعلم أحد أين هي الحقيقة لأن كواليس الحكم لازالت تدار بمبدأ النظام السابق ذاته، وهو أنه ليس من حق الشعب الحصول على المعلومة كاملة.
أدت هذه السياسة إلى خروج الملايين إلى ميدان التحرير، لا يعلم أحد من سيكون الرئيس القادم، لا يعلم أحد متى ستعلن نتائج الانتخابات، لا يعلم أحد ما هي حقيقة صحة الرئيس السابق، لا يعلم أحد أي شيء. ولكن تبقى الكلمة الأخيرة للشعب المصري الذي يأبى أن تسرق منه ثورته وأن تضيع دماء شهدائه هباءً.