تقتات القنوات الإخبارية المتخصصة على الأخبار التي كلما تنوعت وتجددت، تقرفص المشاهدون أمام الشاشة يتابعون آخر المستجدات وغالباً هي أحداث نزاعات وخلافات وقتل وسلب ونهب، يتابعونها ليطمئنوا أن الخطر بعيد عنهم، وأنه غير محدق بهم، لكنهم مع ذلك يزدادون خوفاً وقلقاً بشكل يشير إلى أن الذين ينأون بأنفسهم عن هذه المتابعة والمشاهدة هم الأكثر طمأنينة وآمناً، ذلك أن موالاة نشر الأخبار وتكرارها يزيدان من وتيرة القلق، وإهمالها أولى وأدعى للاستقرار، لكن القنوات المتخصصة تورطت بلازمة الإعادة لتغطية ساعات البث، لكن عندما يسود الهدوء ويعم الاستقرار فإن عددا من مشاهدي قنوات الأخبار يستخدمون سطوة "الريموت كنترول" ويتحولون إلى قنوات الترفيه والمنوعات، وتبقى قنوات الأخبار متورطة بهذا الهدوء، حيث تعمد على رأس الساعة في تكرار أخبارها وتمطيطها، وتسعى ما أمكن للتغيير ومحاولة "التبهير" عبر استضافة محللين لا يضيفون للخبر بقدر ما يحيلونه إلى مجاهل التكرار.

وهكذا فإن القنوات الإخبارية مرت خلال الأسبوعين الماضيين بحالة انتعاش وتسابق على مواكبة الأحداث التي تتقاطر من كل حدب وصوب، على نحو زاد من وتيرة المتابعين المتربصين أمام الشاشة يبحثون على رأس الساعة عن الأجد والأحدث و"الأطزج" والأكثر تفصيلاً ، وربما الأكثر "تبهيراً"، وتسعى القنوات الإخبارية كل واحدة من جهتها للإمعان في شحذ التفاصيل الخاصة عبر مراسليها الذين قد يعمد بعضهم - رغبة في التميز وتحقيق السبق - إلى الاستعجال والاستسهال في إيراد ما لم يثبت، والاتكاء على الإشاعة، والتقاط بعض المعلومات من بعض الأفراد المتحزبين، خاصة إذا علمنا أننا نعيش هذه الأيام مع موجة الأحداث في حالة تكتل وانحياز إلى فريق دون الآخر.. وهكذا تنتشر المعلومة المغبشة والمشوشة والخاطئة، ويحار المشاهد فيمن يصدق ولمن يعطي ثقته، ولهذا ينصرف حشد من المشاهدين إلى وسائط التواصل الاجتماعي، وعلى رأسها السيد الكبير "تويتر" الذي يمثل منتدى يشبه ساحة حديقة "الهايد بارك"، حيث يدلي كل مغرد بما لديه فتتلاطم المعلومات وتتضارب المصادر في البداية، لكنها ترتج.. ثم تتصاعد ثم تميل إلى الهدوء، ثم تستقر هوجة هذا الارتجاج ونتحصل في الآخر على زبدة الحقيقة.

إننا في زمن الحيرة.. لا تكاد تميز الحق من الباطل، ولا تكاد تعرف الصحيح من الخطأ، ولا تكاد تعرف إلى من تنحاز ومن تصدق ومن هو الجدير بثقتك ودعمك.

إننا في زمن تزداد فيه وتيرة الحيرة وترتفع فيه شدة التطرف والتحزب، وتشتد فيه سطوة الادعاء بتملك الحقيقة، ولهذا يتنحى كثير من الحيارى إلى العزلة ومغادرة هذا المنتدى أو هذه الساحة، وسترى أن بعضاً من مجايليك والمحيطين بك يعيشون في عالم غير عالمك رغم قربهم المادي والجسدي منك.

نحن في زمن صار فيه الخبر منتهكاً ونهباً لتعدد المصادر وكثرة الرواة وتداخل الكذابين والوضاعين مع الثقات.. زمن استشرف تفاصيله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: "ستأتي على أمتي سنوات خداعات، يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة. قيل وما الرويبضة؟ قال الرجل التافه يتكلم في أمر العامة".

ما عليك إلا أن تقلب ناظريك في "تويتر" وما حوله من وسائط التواصل لكي يتوثق إيمانك ويزداد يقينك حتى تقول صلِّ اللهم على نبي الأمة الناطق بالوحي، البعيد عن الهوى.