عيد الظفيري



الإسلام هو الحل! لاشك بأن لهذه العبارة مفعولا سحريا في رحاب العقل الباطني لكل مسلم ومسلمة: حيث يستلهم من التراث الإسلامي المتراكم في مخيلته أسمى معاني العدل والتحرر من الجهل والظلمات إلى العلم والنور المتجلي في الكثير من الآيات القرآنية الكريمة. بيد أن الشعار ودلالاته تثير أكثر من علامة تعجب واستغراب لدى المطلعين على دهاليز السياسة وخباياها، ذلك لأن الشعار يرمز إلى منهج حياة يصعب على الأحزاب الإسلامية المسيسة ذات التوجهات المتطرفة التي ترى الإسلام من منظور أيديولوجي يتكئ على آراء وأفكار مؤسسيها أن تستوعب معانيه السامية. السؤال المهم والذي لابد من طرحه لبلورة جوهر الدين الإسلامي هو ما المعايير التي يمكن أن توضع ضمن السياق العام للرؤية الإسلامية في كيفية تحقيق المصالح الدنيوية بطرق لا تتعارض مع مقاصد الرسالة السامية للدين الإسلامي؟ أي بمعنى ما الأسس التي يجب أن تقوم عليها إرشادات الدين الإسلامي في الشأن الدنيوي؟ وهل ستكون إرشادات مستمدة من التعاليم الربانية أم هي إرشادات خاضعة للظروف المكانية والزمانية بحيث لا تخرج عن الإطار العام لمفاهيم العدل والمساواة التي نصت عليها جميع الشرائع السماوية؟ والإجابة على هذا السؤال تتطلب البحث والتقصي في التراث الإسلامي المليء بالشواهد على سمو الرسالة المحمدية التي عززت من قيمة الاجتهاد في الشأن الدنيوي بعدما وضعت القواعد العامة للمحرمات والنواهي؛ بحيث لا تتجاوز الاجتهادات ما نصت على تحريمه الرسالة بشكل صريح حتى يلبي الإنسان حاجاته ومتطلباته المتغيرة طبقا لل،ظروف المحيطة به كي يصبح أكثر انسجاما ومواءمة للتعايش مع المتغيرات الطارئة في حياته.

يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: "أنتم أعلم بأمور دنياكم" وهي تلك الأمور التي لم تتناولها الأدلة الشرعية تناولاً عاماً أو تناولاً خاصاً، أو الأمور التي تناولتها السنة لا على سبيل التشريع وإنما على سبيل الرأي فقط. وأنا هنا لست باحثا شرعيا إنما أردت أن أورد هذا الحديث النبوي مثالا على أن الاجتهاد في أمور الدنيا لا يتعارض مع مبادئ الدين الإسلامي إلا أن محاولة بعض الأحزاب الإسلامية الاستشهاد به لتبرير نزعتها السياسية لإدارة السلطة بمنطلقات دنيوية بحتة يحث المرء على إثارة مثل تلك الأسئلة. فمنذ اندلاع الثورات العربية والجماعات المؤدلجة تبحث عن موطئ قدم في المعترك السياسي بحثا عن مكاسب دنيوية لطالما سعت جاهدة بكل الوسائل للحصول عليها طوال حقب خلت، تارة بالعنف وإثارة الاضطرابات الأمنية وتارة أخرى بتحريك مشاعر البسطاء والتأثير عليهم من خلال الدين. وللأسف الشديد استمر هذا النهج منذ مراحل التأسيس وإلى وقتنا الراهن، ولم يكن هناك ثمة نضج سياسي بمفهومه الصحيح رغم مضي عقود من التجارب والمصادمات من أجل الوجود، وها هي الآن أمام تجارب سياسية كبرى هيأتها ظروف الشعوب الثائرة على أنظمتها السياسية المتهالكة رغم أنها لم تلعب دورا حاسما ومؤثرا في سقوط تلك الأنظمة، إلا بعد أن شاعت حالة من الفوضى مكنتها من إعلان شعارها الذي حرك في وجدان كل مسلم الشوق والحنين لتاريخ عهد الخلافة الراشدة دون أن يعي ذلك المسلم النقي المآرب الحقيقية لامتطاء هذا الشعار في هذا الوقت تحديدا.

كانت الدولة المدنية ولا تزال في مفهوم الجماعات الإسلامية المتشددة مناهضة لكل ما أتت به التعاليم الإسلامية وهذا فهم فيه تجنٍ كبير على حقيقة الدين الإسلامي ناتج عن الفكر الانغلاقي الذي ترعرع وازدهر في بيئة تشبعت بأدبيات الزهد والتصوف الذي لا تقره الشريعة السمحاء، حتى لو حاولت جماعة الإخوان تجميل الإطار الخارجي للتراث الفكري الذي تأسست عليه الحركة فالتجربة السياسية القادمة ستكون المعيار الحقيقي لكل الادعاءات التي رافقت حملة مرشحها الوحيد للرئاسة إلى أن وصلت لمبتغاها بالفوز بالرئاسة، ولا أقول إن الفشل مسألة حتمية بعد تولي الإخوان المسلمين سدة الرئاسة إلا أنه بالتأكيد سنشهد العثرة تلو الأخرى في أول تجاربهم السياسية وهذا أمر طبيعي في ظل عدم وجود تجربة سياسية حقيقية؛ مما يعني بأن الثمن سيكون باهظا ومكلفا لمصر وقد يجعلها تبدو بصورة الدولة الناشئة بعد التاريخ الطويل من التجاذبات السياسية التي شهدتها مصر خلال القرن الماضي. كل ما أتمناه بعد أن فاز الإخوان المسلمين بالرئاسة أن يدرك الإخوة في مصر أن تعدد وجهات النظر السياسية سيحمي مصر من الانغماس في أوحال الإيديولوجية الواحدة والاستبداد بالرأي، وهذا يحتم عليهم جميعا التصويت للأحزاب السياسية الأخرى في الانتخابات البرلمانية القادمة من أجل مصر وألا ينسوا بأن لكل فرد أن يجتهد بأموره الدنيوية الخاصة بما يناسبه وينفعه دون أن يتجاوز حدود المحرمات التي نصت عليها الشريعة الإسلامية صراحة.