نحن نُعلِّم أولادنا في مدارس التعليم العام أن مساحة وطنهم مليونان ونصف المليون من الكيلو مترات المربعة مثلما نُعَلِّمهم أيضا أنه بالتقريب يوازي مساحة غرب أوروبا مثلما هو أيضا ثاني بلد عربي في المساحة. لكننا على النقيض نصب في آذانهم أن المدرسة المستأجرة التي يدرسون فيها لعشر سنين من الزمن، لم تكن مبنى حكوميا لضعف الإمكانات، بل لأننا لم نقبض حتى اللحظة على مئات أمتار مربعة من كل هذه المساحة لسور مدرسة. نحن نُعلِّم أولادنا حقائق الجغرافيا فيما هؤلاء الأطفال يفتحون عيونهم على الواقع. نحن نُعلِّم أطفالنا في المدارس هذه المساحة الهائلة من الجبال والأودية والهضاب ومن ساحات الرمال الصفراء، ولكنهم أذكى من درس الجغرافيا حين يعلمون أن (والدهم) بحاجة إلى عشرين عاما من التوفير الكامل للراتب الشهري ليشتري شقة في الدور الرابع وإلى أربعين عاما متصلة كي يتمكن اليوم من شراء أرض في حدود الخافض اللافظ. نحن نُعلِّم أولادنا في الصباح ـ قصة المساحة ـ الهائلة عن وطنهم ولكنهم في المساء يسمرون على قصة مستشفى الصحة النفسية، مثلا، وهو يعوم خمس سنين في الفضاء الورقي الكاذب لأنه حتى اللحظة لم يجد مهبطا له على كل هذه المساحة. نحن نُعلِّم أولادنا في مدارس التعليم العام طول المسافة ما بين المدينتين، ولكنهم أيضا يتعلمون خارج المدرسة أن هذه المساحة أصبحت مجرد (وضع يد) لعشوائيات قبيلة واحدة وبضعة سماسرة. نحن نُعَلِم أطفالنا في المدارس، وبخطأ جوهري، درس الجغرافيا والمساحة، مباشرة بعد حصة الحساب والرياضيات. وبقسمة بسيطة يستطيع هؤلاء الأطفال في الاستراحة ما بين الحصتين أن يقسموا حجم المساحة على عدد السكان ليكتشفوا أن حصة المواطن من وطنه تزيد على مئة ألف متر مربع بينما آلاف المواطنين يعرفون أن المتر المربع المجاني الوحيد هو الحصة من المقبرة. هي المساحة الوحيدة التي ما زالت متاحة بالمجان. إما أن نٌعَلِمَهم الجغرافيا وإما أن نلغي دروس الحساب. لماذا كتبت كل هذا اليوم: لأنني عائد من مطبخ قديم تحول إلى فصل مدرسي. سبعة وثلاثون طالبا في حجرة مدرسية ضاقت (بالزفير) إلى نافذة صغيرة في أعلى الجدار. وصدفة نادرة وجدت عريف الفصل يهم بمسح السبورة لدرس الجغرافيا عن مساحة الوطن.