.. وتفاعلاً مع تعليقات قرائي الكرام حول مقالي قبل الأمس سأكتب أن الخيط الرفيع الذي يجمع بعضهم في (الاختلاف) معي يكمن في بعض مقالاتي عن الدين وعن المرأة. وفي الغالب يطلب هؤلاء الكرام من كاتبهم أن يركز على قضايا الحياة اليومية. على هموم المواطن ومشاكله في العيش والوظيفة والتنمية. وهنا أتحدى، وبكل البراهين، أن يجد فرد في كل مشواري مع الكتابة جملة واحدة تخدش الثوابت أو تمس بالذوق، وهناك العشرات الذين ينتظرون هذه الفرصة لجرجرتي إلى هذا الوحل ولكنني لن أفعل، لا تقية ولا تخفياً، ولكنه الإيمان العميق في داخلي بالثوابت.

على العكس أنا تهمة متحركة بالليبرالية، مثلما أنا مع الحركة الليبرالية تهمة مناقضة على أنني عميل مزدوج. أنا مستقل، وكامل الاستقلال، بشهادة تفاصيل حياتي وشبكة علاقاتي الخاصة. أنا مؤمن تمام الإيمان أن هذا الدين العظيم تبنى الحرية بمعنى أسمى لترجمة الليبرالية التي قرأت عنها حتى اللحظة آلاف الصفحات ومئات الكتب. الليبرالية (هي تحرير العقل الإنساني من القيود النمطية السائدة). وخذ مثلاً في جانب الدين: الليبرالية هي القضاء على الكهنوت والصنم وتقديس الأسماء والمرجعية التي تملي عليك ما يجب أن تفعل وما لا تفعل. هذا الدين العظيم قضى على كل هذه المفردات اللغوية المحنطة. هو الدين الذي جعل بلالاً في مكانة أبي بكر. هو نفسه الذي علمنا أن ننطق اسم الصحابي الجليل مجرداً من أي لقب حين نقول (وعن عمر، وعن أبي هريرة، وعن أبي الدرداء) ولكننا في عصر العبودية الفكرية لا نذكر اسم متخرج من كلية الشريعة إلا حين نقول عنه: صاحب الفضيلة الشيخ الداعية العلامة الأستاذ الدكتور...... هذه الألقاب هي ما جعل هذا الدين العظيم سميكاً كثيفاً، بينما هو ذات الدين العظيم الذي يدعونا صراحة (أن نوغل فيه برفق).

هو ذات الدين العظيم الذي حرر المرأة من التبعية. هو الدين الوحيد من بين كل ديانات السماء وحتى اختراعات البشر الدينية الذي اعترف بها كشخصية مستقلة. هو الدين الوحيد الذي حررها لتكون نصف الحياة ونصف المجتمع، في الإرث والقرار والإنتاج والعمل. هي نصف الطاقة البشرية، مثلما هي نصف سكان هذه الأرض. وربنا عز وجل هو خالق هذه النواميس ووحده في علاه هو من يمتلك هذا الرقم النسبي المتزن إلى (نصفين) منذ أن خلق هذه الأرض. أليست هذه وحدها عبرة وعظة؟