زرت بيروت بعد انقطاع دام سنوات، ولأول وهلة تبادر إلى ذهني كل الأحداث والحوادث التي مرت بها بيروت وهي صامدة، لكن الغريب هذه المرة أن بيروت ليس بها تلك الإشراقة، بل يخيم عليها شيء يشبه الصمت، فلا هي تتحدث ولا هي تصمت، بل همهمات.. لكن من واقع شجنها شعرت أنها تقاوم لتعود وتغسل نفوس أحبابها بعبير جبالها وبحرها.

وقفت ولم أترك الفرصة لأسأل عن كيفية تسلل الإسرائيليين للوصول إلى القادة الفلسطينيين الذين تمت تصفيتهم، ورأيت تلك الأماكن والطرقات.. وخطر لي كل ما مر بهذه المدينة، وعادة كل مدينة لها قدرها، وقدر بيروت أن تكون محبوبة الكثيرين، حتى إن حبهم لها أصبح عناقا كالخناق، وعندما داهمها الأذى وعصفت بها الأحداث تفرق أحبابها، ولعل صوت لبنان فيروز والتي فوضوها لتكون سفيرتهم إلى النجوم؛ بقيت في بيروت.. وذهب من يدعون عشق بيروت ليتمايلوا حنينا عندما يسمعون صوتها (الأمل).

ربما يتحقق الأمل وتعود بيروت ـ التي ترهقها قترة هذه الأيام ـ بلد الجمال.. لقد شعرت أن بيروت تتوجس شيئا ما كما البلاد العربية كلها. يبقى الحب لبيروت ممتدا ومشتركا بين كل العرب، مدينة تغفو على بحر لتصحو على جبل أخضر.. وتنتظر السلام ليعم ربوع الوطن العربي، لتشعر بيروت بعدها أنها قتلت ذات يوم عشقا، وأن ما مر بها انتهى، وسيأتي غد جميل مشرق لتعود منها إشعاعات الفكر والأدب، ومناخ آمن لصيف عشاق جبالها.

رغم شبه الأمن بها هذه الأيام فهي تتوجس مما يجري حولها في سورية، إن ما مر بها يبقى هاجس الخوف، وقد يتطلب أن تصبر بيروت لتقول: ادخلوا آمنين.. تقولها لأحبابها، ومن هجرها ذات يوم.. وتكون صاحبة قرارها وليس بالنيابة عنها.

بيروت واسطة عقد المدن العربية.. ترى: هل ستهدأ وتغفو على أمل ليس به خوف.