رغم أن وجهها لم يكن ظاهرا إلا أن الصورة التي تم تناقلها لمعنفة خميس مشيط والهيئة التي كانت تقف بها بجوار مركز الشرطة تؤكد أنها لم تكن في حالة عادية، الخوف يظهر في طريقة وقوفها وفي طريقة لبسها المبعثر وشالها المرقط، لم تجد مكانا تلجأ إليه سوى مركز الشرطة.
منذ سنوات، وهي تتعرض لكافة أنواع التعذيب والألم، تعرضت للضرب بأعمدة من خشب، تعرضت للكي بالنار في أجزاء متفرقة من جسدها، تعرضت للحبس في دورات المياه وإجبارها على أكل فضلاتها وبولها وغائطها، هل تتأففون من هذه الصورة؟
كنت أتمنى أن لدينا صورا من دورة المياه التي ظلت محبوسة بها، لأننا بحاجة إلى مثل هذه المشاهد الصاعقة علها تحيي فينا شيئا من الشعور بالمسوؤلية والخروج من التغني الساذج ببعض القيم التي لا يمكن ضمان الإيمان الكامل بها من كل أفراد المجتمع، مما يعني أن المجتمع غير محصن من مثل هذه الانتهاكات، ومما يعني أيضا أن ما نختال به من قيم مهما كانت سامية، فلا قيمة لها إلا من خلال قانون حقيقي وواضح.
تقول المعنفة: عمري 20 سنة، ولديّ ابنة عمرها ثلاث سنوات، وقد تزوجت من ست سنوات، وزوجي يعذبني بالضرب بلوح من الخشب وبالكي بالنار والحبس في الحمام، وعندما أعطش يضع لي البول والبراز، ويجبرني على أكلها، إضافة إلى التعذيب، وجميع من في الحفاير يعرفون قصتي. بمعنى أن القصة حاضرة اجتماعيا بل ومن الممكن أن الناس يتداولونها في مجالسهم في تلك المنطقة، أعيدوا قراءة كلامها السابق، من يتخيل هذا الإيذاء وبهذا المستوى؟
لم تكن مشكلة تلك المعنفة طيلة السنوات التي قضتها في ظل ذلك العذاب إلا أنها لا تدرك أين تذهب، حين اتجهت إلى مركز الشرطة كانت تدرك أن هذا نوع من الالتجاء لكن لا علم لديها أن هذا هو المكان الأنسب ولا تدري ما الإجراء الذي يمكن اتخاذه.
الآن، ستسمع من يتحدث عن حالة شاذة وأنها لا تعكس واقع المجتمع، وفي الحقيقة أن مثل هذا الدفاع أصلا يدعو لكثير من الاشمئزاز، فمن الذي قال إن كل المجتمع كذلك، ومن الذي قال إن هذه هي القضية أصلا، إن حياة إنسان واحد هي بالنسبة له كل الحياة، والأمن والسلامة والقوانين والأنظمة لم توضع لأن المجتمع همجي أو منفلت، وهي أنظمة لإدارة حقوق الأفراد وبالتالي إدارة المجتمع، إنني أتصور أن مثل هذه المنافحات السطحية لن تخلق سوى مزيد من الفرص لمثل ذلك الزوج وأن تفرز المزيد من تلك الحالات.
يعرف السعوديون ماذا يصنعون وكيف يتصرفون حين يقع حادث مروري أو حين ينشب حريق في مكان ما، لكنهم لا يعرفون ما العمل حين يتعرض بعضهم لأي حالة عنف أسري، ومن الواضح أن القصص التي تظهر للإعلام ويتناقلها الناس إنما ظهرت لطول أمدها وبشاعتها، مما يعني وجود الكثير من الحالات التي لا يجيد أفرادها التصرف . لا يجيدون التصرف ؟ ليسوا وحدهم بل كلنا لا نجيد التصرف لسبب يسير أن أنظمة وقوانين العنف الأسري لم تر النور إلى الآن .
كلنا ندرك حجم التداخلات في مجتمعنا بين القانوني والاجتماعي والديني، كان يفترض والوضع كذلك أن نتنبه إلى أن تلك التداخلات يمكن أن تنتج حالات أوسع للعنف الأسري.
هل لدى مراكز الشرطة تعلميات واضحة وأنظمة للتعامل مع حالات العنف الأسري، هل من قانون يجيز لهم استدعاء أطراف القضية، مراكز الشرطة هي الملجأ الأبرز للمجتمع أمام كل قضاياه وإشكالاته وقضايا العنف الأسري على رأس تلك القضايا.
إننا جزء من المظلمة الواقعة على معنفة خميس مشيط، وجزء من الظلم الواقع على غيرها، إن المجتمعات التي تتغنى دائما بقيمها يفترض بها أن تكون الأصدق والمبادِرة إلى سن الأنظمة التي تحمي تلك القيم وتحمي الحقوق خاصة أن قضايا العنف الأسري تبدأ من تسلط يقوم على استغلال سلطة الولاية في الغالب.
الذين يتحدثون دائما عن درة وجوهرة مكنونة، هم في الواقع يتحدثون عن كونها مكنونة لا عن كونها جوهرة، ألم تكن معنفة خميس مشيط مكنونة؟ نعم. ولكن في داخل دورة المياه.