مما تواتر عن عمنا/ "طه حسين" ـ عريس الثقافة العربية المصرية هذه الأيام ـ أنه كان يحب فن: (خلوووها اللبناني)، وفي إحدى زياراته لبيروت فاجأ فرقة "شحرور الوادي" الزجلية اللبنانية بحضوره، فرد الشعراء مفاجأته أربعاً بدأها قائد الفرقة/ "شحرور الوادي" فقال:

أهلا وسهلا بطه حسين

ربي أعطاني عينين

العين الوحدة بتكفيني

خد لك عين وخلي عين

ثم استلم "الرق" الشاعر الثاني "علي الحاج" قائلاً:

أهلا وسهلا بطه حسين

بيلزم لك عينين اتنين

تكرم يا شحرور الوادي

منك عين ومني عين

لكن الشاعر الثالث/ "أنيس روحانا" رفض أن يكون له عينان مختلفتان كبعض القطط؛ فقال:

لا تقبل يا طه حسين

من كل واحد تاخذ عين

بقدم لك جوز عيوني

هدية لا قرضة ولا دين

فماذا بقي للشاعر الرابع / "طانيوس عبده"؟ لابد أن يمسك بعصا موسى لتلقف ما قالوا:

ما بيلزم لو طه حسين

عين ولا أكثر من عين

الله اختصّه بعين العقل

بيقشع فيها ع الميلين

بكى "طه حسين" ـ حسب الرواية ـ كما لم يبكِ من قبل؛ لهذا الاحتفاء الشعبي العفوي الذي جاء بعد تاريخ من الخذلان "النخبوي" انتهى تحت بساطير العسكر التي دكت كثيراً من المنجزات المصرية قبل "صورة 1952"!

بحضرة الأعمى الأبصر ـ كما يصفه الغذامي ـ العميد، قاهر الظلام، وزير الماء والهواء، "فولتير" الشرق:

"لست أدري من أين أبدأ بوحي؟ شجر الدمع شاخ في أجفاني"!

كما يقول أنجب تلاميذه على الإطلاق/ "نزار قباني"!

هل نبدأ بطفل صعيدي يفقد بصره في الرابعة من عمره بسبب خطأ "طبي" فادح من "حلاق" القرية "بتاع كله"؟ كان هذا قبل أكثر من قرن من الزمان، وها نحن في أسبوع الاحتفاء "بطه حسين" تفقد الطفلة "لمى" حياتها تحت مخالب وأنياب والدها "الواعظ"! ويفقد "صلاح الدين" حياته تحت مشرط "حلاق" جاء وهرب بتأشيرة "طبيب"! وفي الأسبوع نفسه يفقد معلمان ـ لا طفلان بريئان ـ حياتهما بسبب وصفة "دجال" يدعي "الحقيقة"!

لم يستسلم "طه حسين" لإعاقة "البصر" وقد أدرك أن علة الأمة في "البصيرة"؛ فآلى على نفسه العظيمة أن يحارب الجهل والتخلف حتى بعد موته بأربعين عاماً! وبدأ بنفسه فعلمها بكل وسيلة متاحة، بدءاً من حفظ القرآن العظيم، وانتهاء بالدكتوراة من "فرنسا" اضطر للحصول عليها أن ينجز في خمس سنوات فقط: شهادة الثانوية الفرنسية، وليسانس اللغات (اللاتينية واليونانية والفرنسية) قبل أن يقدم رسالته في "ابن خلدون"! وكان قبلها أول مصري ينجز الدكتوراة عن "أبي العلاء المعري"، في جامعة فؤاد الأهلية، التي انتقل إليها بعد أن تعمد الأزهر "ترسيبه" في الامتحان النهائي؛ لأنه انتقد "شيخ الأزهر" آنذاك لحضوره حفلاً تدار فيه الكؤوس! و... لا تلمني لو أمضيت العام كله أكتب عن "حبيبي وحبيب البيانِ"، كما يقول "قباني"!