لولا إصرار بعض زملائي من رجال الأعمال والصحافة على إبداء مرئياتي حيال أزمة رجال الأعمال مع وزارة العمل لما تدخلت اليوم برأيي في قضية الرسوم التي فرضت على مؤسسات وشركات عن كل عامل أجنبي فوق النسبة المحددة والمسموح بها، وعلى وجه التحديد عن العمال الأكثر عدداً من العمالة السعودية في هذه المؤسسات والشركات. والحقيقة لم أكن أتوقع أن تكون ردة فعل رجال الأعمال بهذه القوة والجرأة معبرين عن معارضتهم لقرار وزارة العمل، حتى وإن كان القرار صادرا من مجلس الوزراء إلا أنه بتوصية من وزارة العمل وليس مجلس الشورى. ويبدو أن ردة الفعل من رجال الأعمال والغرف التجارية تعبر عن درجة احتقان رجال الأعمال من قرارات وزارة العمل في السنتين الأخيرتين وخروج رجال الأعمال الصغار من الأعمال إلى الشارع للتجمع أمام الغرف التجارية، الممثل الشرعي لهم، والجهات المسؤولة في الدولة لحماية مصالحهم والدفاع عن حقوقهم وقضاياهم. ورغم أنني لست مع التجمعات، إلا أنها آخر الحلول عند أصحاب الحقوق بعد أن يستنفدوا جميع الوسائل والطرق التي يعبرون بها عن آرائهم، وعلى رأس هذه الطرق مرجعيتهم، وفي حالة رجال الأعمال هذه فإن الغرف التجارية هي ممثلتهم والمتحدثة باسمهم، لهذا كنت أتمنى لو أننا وزملائي لجأنا إلى الغرف أولاً وتكليفها بإيصال أصواتهم إلى ولي الأمر. وكذلك كنت أتمنى على وزارة العمل أو على الجهة المشرعة إحالة الموضوع إلى مجلس الشورى لإبداء المرئيات، وفيه مجموعة من الخبراء ورجال الأعمال والمتخصصين، ولهم الحق في استدعاء ممثلي الغرف للتعرف على مرئياتهم، وإن كان هناك تخوف من تأخر توصية المجلس كالعادة أو تعطلها للجوانب البيروقراطية إلا أن البديل قد يكون هو طرح الموضوع على مجلس الغرف السعودية لتشارك الغرف بآرائها ومقترحاتها، وذلك على مبدأ الحوار الاجتماعي، كما أبديت تأييدي سابقاً لخطوات وزارة العمل عندما طرحت موضوع إجازة أيام الأسبوع على أطراف الإنتاج أصحاب العمل والعمال برعاية وزارة العمل، وعندما استعجلت غرفتا الشرقية وجدة طرح آراء بعض مسؤوليها الرافضة للموضوع على الصحافة السعودية تداخلت بمقالة انتقدت فيها غرفتي جدة والشرقية، وقلت لهم لا يحق لكم إبداء الرأي مسبقاً قبل عقد جلسة الحوار الاجتماعي الذي ترعاه وزارة العمل في الرياض، والذي اعتذرت عن الحضور رغم دعوتي لهذا الحوار نظراً لظروفي الصحية، وطالبت أن نجلس على طاولة واحدة، العمال وأصحاب العمل، ونطرح آراءنا ونستمع إلى الرأي الآخر لعلنا نصل إلى رأي يرضي جميع الأطراف، وبالفعل نجح الحوار ونجحت الوزارة في طرحها الديموقراطي العادل واتفقنا على حلول.

أما في قضية رفع رسوم العمالة الأجنبية إلى 2400 ريال تذهب إلى "الموارد البشرية" بالإضافة إلى نظام نطاقات الذي فرضته الوزارة كإحدى وسائل معالجة البطالة عن طريق تشغيل الشباب السعودي والذي لم تتضح نتائجه الحقيقية حتى الآن، حتى وإن تم الإعلان عن أعداد كبيرة تم توظيفها على برنامج التأهيل للسعوديين، والتحفيز للمؤسسات والشركات عن طريق صندوق الموارد البشرية، ورغم أنها خطوة جيدة في الطريق إلى السعودة؛ إلا أنها خلفت وراءها سلبيات أخرى كان ينبغي التفكير في معالجتها قبل الإعلان عن النظام، ومن هذه السلبيات ظاهرة البطالة الجديدة للمقيمين إقامة دائمة في المملكة ذكورا وإناثا، من الفلسطينيين والبرماويين وغيرهم، وهم أكثر من مليون ونصف يعملون لحسابهم أو لحساب غيرهم كموظفين. لا وطن لهم ليذهبوا إليه وسيستمرون في الإقامة مع بعض الجنسيات الأخرى في المملكة، وإذا استمروا بدون عمل أي عمالة عاطلة فإنهم سيشكلون قضية أخرى في المجتمع ويطالبون بحق الشفعة في العمل لأنهم ولدوا وولد آباؤهم في هذا الوطن، وطالبت بوقف الاستقدام للتخصصات الموجودة لديهم وتكليف القطاع الخاص بأن يبحث عن احتياجه منهم وبشروط يتم التفاهم عليها. وأعود للقضية الأساسية وهي ظاهرة خروج رجال الأعمال للشارع أو للساحات أو للإعلام للتعبير عن سخطهم على بعض القرارات، حتى وإن استعجلوا ذلك إلا أن عدم طرح الموضوع عليهم للحوار دفعهم إلى هذا الإجراء. ولكلمة الحق وأمانة الطرح فإن المسؤولين هم رجال يحظون بثقة ولي الأمر وثقتنا جميعاً ولا يوجد في أنفسهم أي حقد أو ضغينة أو عداوة للقطاع الأهلي، وإنما هم رجال مخلصون لوطنهم يعملون ويجتهدون في عملهم وقد يصيبون وقد يخطئون، وهم ينظرون إلى الموضوع من زاوية المصلحة العامة للوطن وأبنائه، إلا أنهم يفتقدون إلى مشاركة القطاع الخاص في خططهم المستقبلية قبل رفعها إلى مجلس الوزراء وأخذ موافقته عليها، متمنياً ألا نعلق الشماعة على قرار مجلس الوزراء الذي قدم أصلاً من وزارة العمل إلى مجلس الوزراء ثم تمت الموافقة عليه.

وجهة نظري الشخصية التي أطرحها اليوم إذا كان هناك مجال لمراجعة القرار هي أننا نحتاج إلى حوار اجتماعي ثان بين أصحاب الأعمال وممثليهم مجلس الغرف السعودية ووزارة العمل، شريطة أن يكون حواراً عادلاً ومتساوياً لا يفرض فيه رأي دون الاعتبار للرأي الآخر، وعلى الغرف أن تبدأ باستقصاء رأي اللجان المتخصصة ممثلة رجال الأعمال لديها لإبداء مرئياتهم، مثل الدور الذي قامت به غرفة جدة مشكورة مؤخراً بعد إثارة القضية. أما إذا قضي الأمر ولا رجعة في القرار فالأمر لله، ولدي اقتراح آخر وهو أن نقبل نحن في القطاع الخاص بقرار وزارة العمل وبالزيادة إلى 2400 ريال التي قيل إنها ستذهب إلى صندوق تنمية الموارد البشرية شريطة أن تمتد مدة صرف صندوق تنمية الموراد البشرية على دفع نصف رواتب الموظفين السعوديين الجدد إلى أربعة أعوام عوضاً عن عامين حالياً، وبالتالي سيكون ما ندفعه اليوم من زيادة ستعود لنا في السنتين الإضافيتين، وكأننا ادخرنا نصف رواتب الموظفين السعوديين الجدد في المؤسسات والشركات على أن يتم استثناء عمالة النظافة والمقاولات والصيانة والمؤسسات الصغيرة لعدم توفر السعوديين فيها. مؤكداً للجميع أن أي إضافة في تكاليف التشغيل ستضاف على المستهلكين الصغار والفقراء، ومن المتوقع أن ترتفع بعض أسعار السلع وتكلفة مشاريع الدولة، وسيصعب إلزام التجار بعدم رفع الأسعار، لأن لديهم حجة. كما أود أن أذكر أن تجربة رفع أسعار جمارك السجائر لم تمنع المدخنين من شراء السجائر، وقد يكون الأجدى نشر ثقافة حماية البيئة وحماية الصحة، وأن الاحتقان في العلاقة ما بين رجال الأعمال وأي وزارة ليس من المصلحة العامة. والعودة للحق فضيلة.