مع الأسف أن جزءا من منظومة الأنموذج الحيّ للسايكلوجيا العامة لحياة أمتنا ومجتمعاتنا جعلت من مراثي معن بن زائدة والخنساء وابن الرومي امتداداً لأروقة العزاء تباكياً على الماضي بمناسبة أو بدون مناسبة، حتى غدت جيناتنا تراوح في خلايا الأمس واليوم والغد بازدراء الخيبة دائماً.

نشترك كل ساعة في قتل فرحة أوقاتنا بدءاً من المعطيات الموروثة السابقة إلى حياتنا التي جعلناها ترزح ترنّحاً في زمنٍ متسارعٍ بظروفه الاجتماعية والاقتصادية المرهقة التي نقلتنا أسفاً إلى غياهب الحياة المادية الزائفة بكل معانيها، فنفيت المشاعر والحميمية والابتسامة إلى أعراض نفسية وكدر يحيطنا لم نعتد عليه!

ورغم التغيرات التي طرأت على مجتمعنا وخروجه من شخصية الجمود مؤخراً، فقد أثبت الشعب السعودي أنه ليس من متداولي (النكتة) فقط - بعدما كان مستحيلاً تصنيفه من أصحابها - بل أصبح من صناعها بالدرجة الأولى متجهاً نحو الابتسامة والضحك الذي (نحتاجه) رغم احتوائه للكوميديا السوداء.

وبمنأى عن الكوميديا السوداء، فالضحك من أنجع العلاجات، ومرده تأثير كبير في اتجاهات حياتنا نحو حيواتٍ أخرى من التفاؤل والأمل وصناعة الحياة؛ فالدراسات العالمية الطبية والنفسية أثبتت أن للضحك كذلك (تمارين) تؤدى بقصد البهجة وتمام الصحة، مما استدعى الباحثين والأطباء إلى الحث عليه لأنهم يدركون جيداً أن للضحك والمرح تداخلات سيكولوجية جوهرية، فبدأ الطبيب الهندي مادان كاتاريا بإطلاق يومٍ للضحك العالمي world laughter day عام 1998، ثم انطلق انتشاراً في بعض المدن العالمية تحت شعار (السلام العالمي عن طريق الضحك) من خلال الضحك المتواصل لثلاث دقائق.. يتجمع فيه الهواة بموجات من الضحك المتواصل كدعوة إلى جميع أنحاء العالم للاحتفال عن طريق الضحك، اتسع نطاق المشاركين فيه إلى أكثر من 50 دولة من بينها ألمانيا التي تضم 60 نادياً لممارسة هواية الضحك ويقدر أعضاؤها بالآلاف، وقد ذكرت صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» أن عدداً كبيراً مما يعرف بـ(أندية الضحك) ينتشر حالياً في الولايات المتحدة كأسلوب حديث لمكافحة ضغوط الحياة اليومية، وقالت الصحيفة إن مدينة شيكاغو وحدها شهدت أخيراً ظهور أكثر من 12 نادياً للضحك، في مقدمتها جمعية «إلجين» الهستيرية، حيث يلتقي أعضاء هذه النوادي دورياً لا ليلقوا النكات أو يشاهدوا أفلاماً كوميدية، بل كل ما يفعلونه هو أن يقضوا الوقت في الضحك فقط للشعور بالارتياح.

ونقلاً عن وكالة الأنباء الألمانية تقول مدربة الضحك الألمانية آنا راوخ: "إن الهدف من تدريبات الضحك هو الانتقال من تمثيل الضحك إلى الضحك الحقيقى بشكل طبيعي، حيث إن الضحك يدرب على التنفس الطبيعى ويمنح الجسم مزيداً من الأوكسجين واندفاعا أسهل للدم في الشرايين إضافة إلى أنه يعكس فرحة الروح وشجاعة النفس والقوة الكامنة للتغلب على المعاناة".

الضحك مفيد في حالات المشقة والأزمات النفسية وأحد أهم أساليب المواجهة لها Coping Styles للتغلب على بعض الآلام النفسية ومواجهة ضغوط الحياة ومشكلاتها الاقتصادية والاجتماعية لتحسين الوضع النفسي والجسمي للإنسان بشكل عام، ما يجعله أكثر تفاؤلاً وأكثر إقبالاً على العمل والحياة بشكل عام.. ولأننا نشترك كل ساعة في قتل فرحة أوقاتنا في زمنٍ متسارعٍ، فهذا يدعونا إلى فكرة إنشاء (أنديةً للضحك) في السعودية لعلها تخلصنا من شظف الحياة الزائفة والضغوط النفسية وكدرها المتكرر، ومن آثار الضحك على الذقون في كل الاتجاهات؟!