أعترف بأنني فقدت أحبة وأصدقاء، عبر مقالاتي عن السجون، وعتب مشايخ ودعاة عليّ، ونالني من الهجوم الشنيع ما نالني، جرّاء كلمات حقّ، سطرتها من وحي تجربتي الخاصة في داخل سجون الموقوفين أمنياً.. ولكن هل أنا نادم على ما كتبت؟

سأعود لبداية لقائي مع مسؤولي الداخلية، وكنت حريصاً جداً على سؤالهم عن الصديقين الدكتور سعود مختار والشيخ يوسف الأحمد، لما تربطني بهما من آصرة أخوة أعتزّ بها، ولمكانتهما في نفسي، وإذ فرحت لقرار والدنا خادم الحرمين الشريفين بالعفو عن الشيخ يوسف، لأدعو الله أن يتكرّر ذلك مع أخي سعود مختار والشيخ موسى القرني وعبدالعزيز الخريجي وبقية الإخوة ممن لم يتورّطوا في أعمال عنف.

أسوأ ما في هذا الموضوع حيال إخوتي هؤلاء، هو وجود من يرتزق بقضيتهم، ويتاجر بها ويصعّدها. الدولة يا أحبة لها هيبتها وقوتها، وهذا لصالح المجتمع، وطالما صدرت الأحكام الشرعية – شخصياً استعظمتها وكتبت ذلك ـ فالكلمة هنا للقضاء، والقضية خرجت من يد الأجهزة التنفيذية، ولا حلّ إلا عن طريق مليكنا الأبّ، بعفو خاص منه، لكن بوجود مبادرات وتجاوب، لا عناد وتحد، وللأسف هناك من يؤلّب أحبتنا هؤلاء ليتصلّبوا في مواقفهم، وهنا دعوة حادب محبّ، للعقلاء في تلك الأسر أن يباشروا هم التصدي لقضية أبنائهم، وعدم تركها للمتشنجين.

وعودة لشبابنا الموقوفين، ولا داعي لتكرار ما طالبت به من ضرورة الإسراع بمحاكمة من لم يحاكم، والاكتفاء بالمدد التي قضوها، طالما قضاياهم يسيرة، وانخلعوا عن الفكر الضال، ولكن يا أحبة، أسألكم بالله ألا تأخذنا العاطفة، وقسماً بالله تعالى أنني لا أقلّ عنكم تعاطفاً معهم، إن لم أتجاوزكم، ودونكم شاهداً ما قمت به في برنامجي الفضائي عن الأبناء الموقوفين في العراق، وتفرّسوا جيداً في كلماتي التي أنهي بها حلقاتي، فأنا من مرّ بتلك المرحلة العمرية وعشت ما عاشوه في جبال أفغانستان، دون أن أتورط في الفكر التكفيري، ومات لي من إخوتي ما تفيض المآقي لذكرهم، رحمهم الله، ولكن من الخطأ الاستعجال في الإفراج عن بعض الشباب، ولمّا يتركوا الفكر الذي دخلوا به، يا أيها الآباء والأمهات سنخسرهم والله قتلى، أو هاربين في جبال اليمن، أو دروب سورية، حيث يباعون كرقيق كما حصل في العراق، وتندمون وقتها، وتتمنوا لو بقي الأبناء في السجن.

في زيارتي قبل أسبوعين لسجن (الطرفية) بالقصيم، التقيت شاباً في الثانية والعشرين من عمره، بعمر ابني أسامة، شاب وضيء، من العائلات العريقة نسباً، ومعي زميل من لجنة المناصحة، وبادرته، وقلت له: "ما الذي ورّطك في هذا الفكر يا ابني؟"، فأجابني: "أرى الدولة كافرة". قلت له:"هل جلست مع علماء المناصحة". ردّ: "في البداية، ثم رفضت لقاءهم، لأنهم بغير علم، ويميلون للسلطان". قال له الشيخ الذي معي: "لكنك عندما أتيتنا في أول الأمر، لم تكن تكفّر الدولة؟". قال: استخدمت (التقية) معكم، وبعد ذلك تركتها وأعلنت عن منهجي الصريح".

والله الذي لا إله الا هو، لكأن سكيناً مزّق قلبي، وقتما قال بتلك (التقية)، وانتبهت إلى سبب بقاء البعض من الأبناء؛ لتوجّس المسؤولين بحملهم لهذه (التقية)، خرجت من عنده، وأنا أدعو الله تعالى له بالهداية، وإلى اليوم ما زلت أدعو لهذا الشاب الذي وقع في قلبي، مع ذلك الشاب الذي زلزلني في سجن (ذهبان)، بأن يعيدهما الله إلى منهج الاعتدال ووسطية الدين.

لعلي أوجه شكراً عبر سطوري هنا لسمو وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف، لحرص الدولة على تعديل منهج أبنائنا هؤلاء الذين تنكّبوا الطريق، وأتمنى عليه فتح المجال للإعلام أن ينقل ما يقوم به المسؤولون من جهود ورعاية، بدلاً من ترك المجال لتلك الأبواق التي تشوّه دورهم، ومن الضروري تقوية دور هيئة حقوق الإنسان، لتقترب أكثر من الموقوفين، كي يمتنع بعض أفراد الأمن من التصرف بشكل فردي، خارج عن تعليمات وأنظمة الوزراة، ويسيئون إلى الدولة برمتها، وأؤكد على برنامج النصيحة الرائد، وابتكار أساليب جديدة لتعديل منهج الغلو لدى أبنائنا الموقوفين.

وهنا دعوة لأحبتي الدعاة والعلماء ممن باشروا هذا الملف، وألّموا بكل القضية، أن يتكتلوا ويتحدثوا بشكل جماعي، فكثير من المترددين من قبول ما كتبته، سيسمعون لهم أكثر مما يسمعون لإعلامي فرد، وأعرف أن وجلاً ينتاب هؤلاء الدعاة بالحديث، بسبب قوة اللوبي المضاد، الذي لا يأخذ في مسلم إلاّ ولا ذمّة، ويتناوب عليهم بالتشهير والسبّ والقذف والافتراء في (هولوكست) قميء، أقلها أنهم علماء سلطان، ولكن دخول أمثال هؤلاء بشهادتهم الحقّ التي يعرفون في هذا السجال، سيضيء للمجتمع كثيراً، ويقطع الطريق على أولئك المتاجرين بقضية الموقوفين، وهم أكثر الناس معرفة بحساسية الظرف الذي نعيش.

هل أنا نادم على تجربتي وما كتبت، لا والله، بل سعيد لأبعد درجات السعادة؛ أنني كتبت ما أدين الله تعالى به من شهادة عدل وإنصاف تجاه وطني، بما رأيته واقعاً بعيني، دون أن أدّعي بإلمامي الكامل بالملف، وقد أوصلت رسالة للمسؤولين؛ مما أرجو أن يكون في ميزاني يوم القيامة، وأما ما نالني من أذى وقذف وشتم وقطيعة وسوء ظن ورمي بالنوايا، فأنا أحتسب ذلك عند الله، وأنا مؤمن بأن من تصدى للشأن العام سيناله أكثر من ذلك.