من منا لم يصله مقطع على "اليوتيوب" أو سلسلة من النكت يستهزأ من خلالها على الآخرين، سواء كانوا من جنسيات أخرى أو طائفة أو عرق أو مجتمع آخر! أحيانا يصل بنا حد القرف ونتمنى لو نعيد المقطع في وجه المرسل كصفعة لعل وعسى يستيقظ ويتوقف! متى كنا أمة تتسلى على هفوات وآراء الآخرين؟ متى كنا أمة تتصيد الأخطاء وتنقض على هذا أو ذاك لمجرد أن ظهر في وجه المدفع، بينما الآخرون مختبئون خلف أقنعة ويحق لهم ذلك، بما أن وجوههم العارية أصبحت بمثابة أفلام رعب لفظاعة ما ترسل من طاقات سلبية تشكلت من خلال أفعال مخجلة "زنبركية" تتنقل من موقف إلى آخر حسبما يستدعي الموقف! ولكننا نترك هؤلاء ربما لأننا لا نراهم أو لأننا لا نجرؤ.. ونصوب سهامنا إلى من وقف في الضوء، ولسبب أو لآخر أخطأ، ونبدأ بعمليات الاستهزاء والتشهير! دائما نبحث عن كبش الفداء وننسى أننا الكبش!

اليوم أصبح الشغل الشاغل لكثير من الشباب والشيّاب أيضا تناقل مقاطع ما يسمى Stand-up Comedy، بل لقد أصبح لها سوقها ومروجوها. لست ضد النقد ولكن كنت وما زلت أساند وبقوة النقد البناء.. ينتظرون حادثة ما أو زلة لسان من مسؤول ويسرحون بها ويمرحون. إن الهجوم من غير إعطاء المُهاجم فرصة الرد، يعتبر حركة جبن وليس حركة ذكاء "وفهلوة"! لا أنكر إبداع البعض في طريقة العرض وشد الانتباه، ولكن الموهبة بدون حدود أخلاقيات ومبادئ تصبح أداة هدم لا بناء، أداة تخدير بيد من قد يكون في بادئ الأمر أراد الإصلاح أو شد الانتباه، ولكن ومع مرور الوقت، والوقوع في مصيدة ما يشد أكثر ويسجل مشاهدات أوسع، تكبر الهوة شيئا فشيئا بين الأهداف الأولية ورؤية المؤلف، وينتقل التركيز فقط على ما يضحك الناس!

نسينا أن الأساس من تسليط الضوء هو إيجاد الحل أو الحلول من أجل الارتقاء أو من أجل التغيير. نجد أن هنالك من استلم الخيط وبدأ بالحياكة العشوائية للاستثمار على ما تم جمعه من جمهور، ويبدأ التنافس على من يجمع نسبا أكثر من المشاهدين! وبالتالي أصبح الأمر سوقا مفتوحة لا مبادئ ولا قيم ولا خطوط حمراء! هل تم عرض حل لأي من القضايا التي يتم التعاطي معها في هذه المقاطع؟ أم هل يتم تشجيع المشاهدين على التفكير والمشاركة في إيجاد الحلول؟! لا بالطبع، لأنه لو تم ذلك لأصاب صناعتهم الركود، حسب اعتقادهم طبعا، لأن المغزى من ورائها السخرية والضحك لا أكثر!

في الخارج نجد أن أغلب مشاهير الستاند أب كومدي، يركزون على التلاعب في الكلمات أو حالات سوء الفهم، أو حينما يكون البرنامج مسيسا لضرب مرشح أو شخصية اجتماعية معروفة، طبعا بطريقة غير مباشرة لأنهم يخافون من القضايا والمحاكم، وماذا خرّج أشهر برنامج من هذه النوعية Saturday Night Live، غير ممثلي الكوميديا، أي انتقلوا من مرحلة إلى مرحلة لا أكثر، لأن تأثيرهم في التغير لم يكن أبدا من خلال برامجهم، بل من خلال مشاركاتهم في الفعاليات الاجتماعية ذات الطابع الخيري أو المساند لقضية ما، أو من خلال المشاركة في المناسبات السياسية لتأييد هذا أو محاربة ذاك من المرشحين.

والآن لنعد إلى أبطالنا، أين هم من الفعاليات الاجتماعية؟ أين هم من مساندة القضايا الاجتماعية، أين هم من حملات التوعية أو التنمية البشرية للارتقاء بمجتمعاتهم؟! إن تم الانتقال يتم إلى التمثيليات أو الأفلام أو ربما كليبات الأغاني، غير هذا هل تم تسجيل موقف لأي منهم في المحافل العامة؟ كلا، ولكن لا مانع من الظهور في إعلان لشركة أو منتج معين!

إنه فن وله مبدعوه، وأيضا له متابعوه ومعجبوه، ولكن لماذا لا نستغل ذلك في البناء والتغيير بدلا من التخدير؟ سيأتي يوم لا ينفع معه أي تخدير، حينها أين سنكون وكيف سنتصرف؟! نحن في وقت حرج من تاريخ أمتنا، نحتاج لكامل قوانا العقلية والفكرية والنقدية لكي نتمكن من التفريق بين الصالح والطالح، بين من يريد الإصلاح ومن يريد نشر التعصب والجاهلية، من يريد البناء ومن يريد الدمار، بين من يريد إزاحة شخصية معينة لأنه يرى فيها منافسا وخطرا على طريق تقدمه أو استحواذه على الرأي العام أو الشارع، ومن يرد إظهار شخصية فكرية ثقافية غنية تخدم الحوار والتقريب من وجهات النظر للتخفيف من حدة الاختلاف بإيجاد أرضية مشتركة ينطلق من خلالها الغالبية ولن أقول الجميع... بالنهاية نحتاج أن نُفرق كي لا نَفترق!

هل دخلت في العميق وأعطيت الأمر أكثر مما يستحقه من التفسير والتحليل؟ ربما، وأتمنى أن أكون مخطئة، لأن ما يحدث من تغيرات على الساحة العالمية والإقليمية يجعلنا نفكر ونتعمق في التفكير في كل صغيرة وكبيرة ولا نترك أي شائبة تمر من أي ثغرة لمجرد اعتقادنا بأن الأمر لا يستاهل.. وأنه عَرَضي! هل أنتم مستعدون لاتخاذ مخاطرة كهذه في أمنكم وأمانكم؟ أنا لست مستعدة! وسوف أحلل وأفكك كل ظاهرة ولا أدع أي شاردة أو واردة لما يسمى الصدفة.. إنها كلمة ليس لها محل من الإعراب في قاموسي... أتمنى ألا تكون كذلك بالنسبة لكم!