أخطر أنواع الاقتصاد هو الاقتصاد الريعي الذي يعتمد على مصدر واحد ناضب، تصبح المؤسسات الاقتصادية فيه كالسمك في بحيرة يصلها الماء من مصدر واحد ولو توقف هذا المصدر لجفت البحيرة وماتت الأسماك التي بداخلها.

وقد أدرك خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز خطورة هذا الوضع على الاقتصاد وعلى استقرار المملكة بشكل عام، ومنذ توليه مقاليد الحكم اهتم بتعدد مصادر الدخل وأطلق مشروعه الكبير تطوير التعليم العام بشتى مراحله، واهتم بالتعليم العالي حيث فتح باب الابتعاث لأفضل جامعات العالم المتقدم، حتى أصبحت المملكة رابع دولة في عدد الطلبة المبتعثين في العالم، والأولى في ابتعاث الطلبة على حساب الدولة.

ويكفي أن نرى جامعة واحدة هي جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية وقد استحوذت على 230 ابتكاراً في مجال توفير الغذاء والماء والطاقة والبيئة ودورها في مجال التنمية الاقتصادية والانتقال إلى الاقتصاد المعرفي، وقامت الجامعة بتشغيل تسعة مراكز أبحاث وسبعة مختبرات مركزية بمواصفات عالية، ومن الجميل أن تنضم المؤسسات الصناعية لبرنامج الجامعة الطموح مثل شركة أرامكو وسابك وداوكيمكال لهذه البحوث لتترجم نتائج الأبحاث إلى أعمال منتجة ووظائف للشباب من الجنسين، وهذا هو ما تقوم به الجامعات في العالم المتقدم بالتعاون مع الشركات الصناعية.

المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير سلمان بن عبدالعزيز قادمة بقوة لتتبوأ مركزها المناسب بين دول العالم المتقدم ليس في مجال إنتاج وتوفير الطاقة للعالم فقط ولكن لتصبح شريكا مهما في إنتاج المعرفة وتصنيعها وإيجاد البدائل للطاقة الناضبة والبحث عن مصادر نظيفة ومتجددة، لكن ذلك لا يأتي بالأماني، ولكنه يتحقق بالعمل الدؤوب نحو هذا الهدف النبيل، وهي وإن كانت مهمة الجميع إلا أنها تقع بشكل مباشر على الجهات الآتية:

• مديرو الجامعات هم المؤتمنون على هذه الثروة الغالية، ولولا الطلبة لما وجدت الجامعات، ومعنى هذا أن تسخر جميع إمكانات الجامعة لخدمة الطلبة والرقي بمستواهم العلمي والأدبي، وترسيخ قيم احترام الوقت والعمل، والأساتذة هم أكبر مؤثر في مسيرة الطلبة العلمية والمهنية وهم القدوة، وقد تم اختيارهم بكل عناية، وتم إرسالهم لأفضل جامعات العالم لينقلوا ما تعلموه هناك إلى جامعاتهم، الأستاذ والمعلم هما القدوة للطلبة، وكما يجب أن يكافأ المجتهد فلا بد أن يحاسب المقصر.

والمؤثر الثاني في كل جامعة هو أنشطتها البحثية والعلمية والثقافية وأنشطتها الرياضية والاجتماعية. فالجامعة لا تقدم شهادات علمية فقط لكنها تزود الطالب بما يحتاجه ليثري المجتمع ويقدم له الخدمة، ويتسلح بأدوات البحث والتفكير الناقد وقيم العمل. الجامعات من أهم أسباب تقدم الأمم أو تخلفها، ومن أهم أسباب غناها وتعدد مصادر دخلها القومي.

• السبب الثاني لتقدم الأمم والمجتمعات هو كفاءة أجهزة الدولة وحسن إدارة مصادرها. وأمام المملكة طريق طويل لزيادة كفاءة المؤسسات في القطاعين العام والخاص، لكن الخطوات التي قامت بها حكومة المملكة دليل على صحة العزم لمحاربة الفساد بأنواعه ووضع الرجل المناسب في مكانه المناسب والمحاسبة، وتقدير المخلصين من أبناء الوطن مع الاستعانة بالكفاءات المتميزة من مختلف دول العالم.

• البيئة النظيفة من أهم أسباب محاربة الأمراض وإيجاد بيئة سليمة ونظيفة لساكني المدن والقرى، وكم سعدت بحرص أمراء المناطق لإيجاد حدائق كبيرة مفتوحة للجميع كما هي الحال في جميع مدن العالم المتقدم، ومنها ما كتبته بعض الصحف عن اهتمام صاحب السمو الملكي الأمير سطام بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض بمناقشة أمر الحدائق الكبيرة في الرياض مع الأمانة ومع هيئة تطوير مدينة الرياض.

• كل مشروع كبير يقام يجب أن يبدأ بخبرات وشراكة أجنبية وذلك لاختصار الطريق وتسريع العمل وتفادي الأخطاء المتكررة، ولنا في الشركات الناجحة والجامعات التي بدأت بخبرات دول متقدمة خير مثال على أهمية البدء بقوة، وتوطين ثقافة احترام العمل والمساواة بين العاملين، ووضع معايير عالمية للتنفيذ.

المملكة العربية السعودية تسير بخطى ثابتة ولديها من الخبرات والمصادر الطبيعية الشيء الكثير، لكن ذلك لن يستمر ويزدهر إلا بنتاج العقول والسواعد من الجنسين.

لدى المملكة فرصة ذهبية لتودع مكانها بين الدول النامية وتحتل مكانها اللائق بين الدول المتقدمة ذات الاقتصاد القوي المتماسك والقابل للاستمرار لمئات السنين القادمة إن شاء الله.


عبدالله السعدون عضو مجلس الشورى