قبل يومين، وفي 29 نوفمبر، الذكرى الـ65 لذلك اليوم الظالم – يوم تقسيم فلسطين الذي فرضته على العالم الامبراطورية البريطانية - أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قبول فلسطين كعضو مراقب في الأمم المتحدة، وهو قرار تأخر كثيرا.

منذ أكثر من 10 أيام، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي يفعل كل ما بوسعه لضمان أن هذا التصويت سيتم إلغاؤه، كان قد أمر بالقيام بآلاف الطلعات الجوية لقصف غزة، مما أدى لمقتل حوالي 170 شخصا، معظمهم من المدنيين، بما في ذلك امرأة حامل وطفل لم يتجاوز عمره 11 شهرا. ولكن هذه المرة، لم يقف العالم صامتا ويترك إسرائيل تذبح 1500 فلسطيني كما فعلت في 2008-2009 في عملية الرصاص المصبوب. هذه المرة، كما قال الرئيس المصري محمد مرسي، عندما كانت القوات الإسرائيلية تقوم بالقصف، الفلسطينيون لم يكونوا وحدهم.

في 21 نوفمبر، تم الاتفاق على وقف لإطلاق النار، وأول من أمس فاز التصويت في الأمم المتحدة لصالح الدولة الفلسطينية.

يعتقد الصهاينة من جميع الأطياف، وكذلك الأميركيون المختصون بشؤون الشرق الأوسط، أن نتنياهو سياسي بارع تمكن من منع أي تقدم في قضية الدولة الفلسطينية. ولكن رغم هذه السمعة السياسية ارتكب نتنياهو مؤخرا بعض الأخطاء التي أساءت لموقف إسرائيل في العالم والمنطقة، سواء فاز في الانتخابات القادمة في 22 يناير 2013 أم لا، فقد حقق نتنياهو ما يشبه المعجزة السياسية، ليس من أجل نفسه، ولكن للفلسطينيين.

باغتيال مسؤول كبير في حماس ومن ثم القيام بحملة قصف على مدى 8 أيام ضد سكان قطاع غزة، أوجد نتنياهو الظروف لطريق الوحدة الفلسطينية. نتنياهو كسر عزلة حماس وأعاد دور مصر كقوة رائدة وصانعة سلام في الشرق الأوسط، وعمق عزلة إسرائيل.

في 25 نوفمبر، اتصل خالد مشعل مع محمود عباس مؤيدا طلب السلطة الفلسطينية للحصول على صفة مراقب في الأمم المتحدة. بعد ساعات فقط من تأييد حماس للخطوة، قال الرئيس عباس لحشد من أنصاره في رام الله إنه فور عودته من نيويورك حيث سيحضر اجتماعات الجمعية العامة في 29 نوفمبر للتصويت على الطلب الفلسطيني، سيستأنف محادثات الوحدة مع مشعل وحماس. بعد 7 سنوات من الانقسامات العميقة. الوحدة الفلسطينية حاليا هي احتمال حقيقي، والعدوان الوحشي الذي شنه نتنياهو مؤخرا على غزة هو السبب الرئيسي للتقارب المحتمل بين حماس وفتح.

بغض النظر عما كان نتنياهو يعتقد أن بإمكانه تحقيقه من خلال إثارة هذه المواجهة في غزة، إلا أنه نجح في رفع كل من خالد مشعل والرئيس المصري إلى مرتبة رجال الدولة وصانعي السلام. من خلال المطالبة بأن تكون مصر هي الضامنة لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، أعطى نتنياهو للجيش المصري حرية أكبر للعمل في صحراء سيناء مما نصت عليه اتفاقيات كامب دافيد.

على مدى عدة أيام، تواصلت هيلاري كلينتون مباشرة وبشكل غير مسبوق مع زعيم حماس خالد مشعل – رغم أن ضابط استخبارات مصري كان يحمل الرسائل المتبادلة بين المتفاوضين ـ كانت تلك أول مرة تتحدث فيها الولايات المتحدة مع حركة حماس التي تعتبرها منظمة إرهابية.

في وقت كتابة هذا المقال، كان واضحا أن 120 دولة على الأقل ستصوت بالتأكيد لصالح الدولة الفلسطينية والاستقلال في الجمعية العامة للأمم المتحدة. هذا يعيدنا إلى ما يسميه الصهاينة العبقرية السياسية لنتنياهو.. بغطرسته وأوهامه، اعتقد نتنياهو أن العالم سيتجاهل حقيقة أن إسرائيل هي المعتدية في آخر مغامرات غزة. العدوان الإسرائيلي الذي استمر 8 أيام سبقه عملان إسرائيليان: قصف ملعب كرة قدم في غزة ذهب ضحيته عدد من طلاب المدارس الثانوية الأبرياء؛ واغتيال أحمد الجعبري، رئيس الجناح العسكري لحركة حماس في غزة. الجعبري اغتيل بعد عودته من مفاوضات في مصر حول تمديد وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس. وكان الجعبري قد لعب أيضا دورا في إطلاق سراح جلعاد شاليط، الجندي الإسرائيلي الذي أمضى عدة سنوات في قبضة حماس.

قيام حماس والجهاد الإسلامي بإطلاق الصواريخ على إسرائيل كان ردا على قتل شبان أبرياء واغتيال الجعبري. إسرائيل كانت المعتدية من البداية للنهاية.

أول من أمس يوم 29 نوفمبر، الذي تم فيه التصويت على الطلب الفلسطيني، صادف الذكرى السنوية الـ 65 لتصويت الأمم المتحدة في عام 1947 لتقسيم فلسطين. كان التصويت على التقسيم برعاية الامبراطورية البريطانية والرئيس الأميركي هاري ترومان، وكان من الحزب الديمقراطي وعلى نهجه يمشي الرئيس باراك أوباما. وزير خارجية ترومان الجنرال جورج مارشال، بطل الحرب العالمية الثانية، عارض اعتراف ترومان بالدولة الصهيونية. لكن ترومان مضى مع الإمبراطورية البريطانية ومع الصهاينة الذين دعموا إعادة انتخابه.

لقد مضت 65 سنة دون إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وتحقق شيء من العدالة للفلسطينيين. خطأ نتنياهو، الذي يحسن وصفه بأنه "أعجوبة" نتنياهو، هو أنه عجل يوم تحقيق العدالة وعودة الوحدة الفلسطينية المرتقبة.