منذُ أن صدرت أوامر وزارة الصحة بغلق مستشفى عرفان الخاص بجدة بسبب الخطأ الطبي الفادح الذي ذهب ضحيته طفل بريء ـ جعله الله شفيعا لوالديه ـ وأنا أتساءل: هل حقا في بضعة أيام استطاعت وزارة الصحة أن تُجري التحقيقات وتُصدر العقوبة وتُشهر بالمستشفى ببساطة؟! أنا في حلم أم عِلم!؟ إنه تطور مفاجئ في بيروقراطية الوزارة، وقد كنت ـ عبر المقالات ـ أطالب بنفض هذا الثوب التعيس حين تُماطل أصحاب الحق من المواطنين ضد الأخطاء الطبية وكأن قيمة أرواح مرضاهم رخيصة! وبصراحة بعد القرار قلتُ: ما هذا الإنجاز يا وزارة الصحة، عيني عليكِ باردة! ها هي قادرة على أن تُنجز تحقيقاتها وتُنفذ عقوباتها في أيام معدودة!

وبصدق لم أكن أنوي الكتابة في الموضوع فقد كتب زملاء كثر عنه، لولا أن عصفورة في وزارة الصحة أخبرتني أنه خلال السنتين الماضيتين، تمّ تقديم سبعة وعشرين بلاغا متضررا من أخطاء طبية تسببت في وفيات وإعاقات وعُقم ضد مستشفى عرفان وباقدو تحديدا، وهذه البلاغات منذ سنتين تحبو على مكاتب المسؤولين الذين تعاملوا معها بأذن من طين وأذن من عجين! فيا ترى لماذا في قضية الضحية الأخيرة ـ أسأل الله تعالى أن يثبت والديه ويأجرهما بالأجر العظيم ـ نفضوا البيروقراطية وركضت أقدام الوزارة لمعاقبة المستشفى! طبعا لا داعي لأن أقول أو دعوني أقل: يبدو أن مسؤولي الوزارة لديهم طريقتان في التعامل مع أرواح الناس، وهذا في رأيي هو الفساد بعينه، لأنه انحراف خطير بحق إنسانية الإنسان.

دون شك، لقد فرحتُ كثيرا لقرار غلق المستشفى وأتمنى أن يكون غلقا دائما، لكن أغضبني تعامل الوزارة مع بلاغات المتضررين السابقين!! فهل نحتاج إلى ضحايا من نوع خاص كي يتم تطبيق القوانين والأنظمة والعقوبات يا وزارة الصحة الموقرة؟

دعوني أتذكر معكم مقالا لي ـ منذ سنتين ـ كتبته هنا عن الطفل اليتيم محمد ماجد القرني الذي يكمل اليوم ست سنوات، وقد فقد أمه بخطأ طبي بمستشفى حكومي وفقد والده أيضا بخطأ طبي في مستشفى عرفان، تخيلوا منذ سنتين وأسرة هذا اليتيم تطالب بمعاقبة المستشفى الذي هرّب الطبيب كعادته! والوزارة تتعامل بفوقية مع شكواهم لدرجة أن معظم الوقت أهدر لأنها تعترض على طريقة كتابة المعاريض.. تخيلوا! حتى باتت القضية الآن أمام ديوان المظالم! وغير القرني هناك الدكتور طارق الجهني وغيرهم!

ما أود قوله: هناك من يظن الفساد فقط في اختلاس المال العام، إلا أن الفساد الإداري أشد ضررا وفتكا! إلا إذا كان القرار الأخير تصحيحا لأوضاعها، فإن كان ذلك فالأيام القادمة ستأتي بقضايا شبيهة وسنرى حينها كيف يتم التعامل معها.