ربما لم يحظ عمل تلفزيوني بدعاية مسبقة، مثل تلك التي حصل عليها مسلسل "عمر" الذي تعرضه عدة قنوات فضائية، في مقدمتها قناة "إم بي سي"، بسبب اللغط المثار حول شرعية تجسيد الخلفاء الراشدين، وكبار الصحابة في أعمال فنية، حيث شن المعارضون حملات في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي مثل "فيس بوك" و"تويتر"، مع تجييش العامة على فكرة منع المسلسل حتى أضحت قضية رأي عام، وتشعب الأمر حتى دخل في قضايا أخرى، كل ذلك سمح للعمل أن يحظى بنسب مشاهدة قياسية، ولكن ماذا عن العمل من الناحية النقدية والفنية، بعيدا عن ردة فعل المشاهدين، وحدة الرافضين.

نستطيع القول أن العمل دخل بقوة، وظهر من البداية إثر الدعم اللامحدود لميزانية المسلسل باعتباره الأعلى تكلفة عربيا، من ناحية المؤثرات، وأعداد الممثلين، وطريقة العرض، كما أنه حظي بنجوم من النخبة مثل: غسان مسعود، ومنى واصف، وعبدالعزيز مخيون، وآخرون، فيما تصدى لدور الخليفة عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ الممثل السوري سامر إسماعيل، في ظهوره الأول.

والحقيقة أن المسلسل يبهرك بالمؤثرات الفنية التي يقف خلفها طاقم متخصص، وعلى مستوى عال بقيادة المخرج السوري حاتم علي، الذي اجتهد في تقديم عمل يناسب حجم الشخصية في التاريخ الإسلامي، ويبهرك المسلسل أيضا من حيث الإمكانات المتاحة من الجهات المنتجة، رغم أننا لا نستطيع أن نؤكد ذلك ـ على الأقل حتى الآن ـ بسبب بعض السلبيات التي شابت العمل فيما مضى من حلقات.

طغى من البداية على النص كثرة الحوارات على حساب الرؤية الجمالية الدرامية، التي قد تغني عن بعض الحوارات المستهلكة في أحيان، ونظرا لأن الكثيرين يعلمون كثيرا من تفاصيل الأحداث المهمة والمفصلية في تاريخنا الإسلامي، فإن من الواجب أن يبذل المسلسل الجهد في التناول الجديد وبطريقة مختلفة وهو ما لم يحدث.

شاب الحوارات في المسلسل بعض الركاكة، خاصة وأننا نتحدث عن عرب اشتهروا بأعلى درجات الفصاحة، فكان حريا أن يستعان بالمصادر التاريخية مثل "سيرة ابن هشام"، و"البداية والنهاية"، و"تاريخ الطبري"، التي تحفظ لنا الكثير من الأحداث والنقاشات الرائعة بلاغيا، مما لم نشاهده في المسلسل، كما لم تكن مخارج الحروف لدى بعض الممثلين صحيحة ودقيقة.

يؤخذ على كاتب العمل وهو الباحث في التاريخ الإسلامي الدكتور وليد سيف، وقوعه في فخ النمطية المتعلقة بشخصيات العمل، ولم يحاول الخروج من ذلك الدثار، فكان أن ظهرت هند بنت عتبة، في العمل نسخة لنفس الشخصية في فيلم "الرسالة"، حيث الحدة المستمرة في الجدال، ونفس تعابير الوجه المتجهم، فيما ظهر كفار قريش بمزيد من السذاجة، وأقرب إلى البلاهة، رغم أن تاريخنا يحفظ صورة مختلفة عن قوة شخصياتهم، وكبريائهم، وأن كفرهم كان فقط تعنتا ومكابرة.

اُختيرت أربع دول لتصوير أحداث المسلسل وهي: تونس، والمغرب، وسورية، والهند، وقد تكون اختيرت لسهولة وجود البنية الأساسية لعمليات التصوير وحشود الكومبارس، إلا أن المشاهد التي ظهرت تبين أن الأجواء في هذه الدول لم تمثل بيئة مكة المكرمة كما يجب، حيث التربة الحمراء لا تشابه رمضاء مكة المكرمة، والأجواء الحارة لم تكن حاضرة، وهو ما كان يجب الالتفات له كما يجب.