غسلت يدي بالماء والصابون كي أتناول وجبة العشاء، ثم اكتشفت أنني أغسلها – مواطناً – كي آكل.

التقرير الصحفي أمامي الآن يقول إن وزارة التخطيط تنشر لكم 37 سبباً لتعثر مشاريع الحكومة، ويبدو أن الوزارة بهيلمانها تحولت مثلنا إلى مجرد راصد لأسباب عثرة المشاريع. هذه الأسباب تحتاج لرصدها إلى جلسة شاردة من (طق الحنك) لا إلى وزارة تخرج إلى الشعب ببيان عن تعثر المشاريع. من هو الذي يصادر أحلامي كمواطن في كل شيء؟ من هو المسؤول الذي يقرأ علينا بدء العام نشرة أخبار المشاريع ويتحفنا نهاية ذات العام بقوائم التعثر؟ أنا المواطن، الأستاذ الجامعي، الذي عاش على الأماني لعشرين سنة في الجامعة حالماً أن أدخل على طلابي في قاعة جامعية محترمة. وبرغم كل المليارات المرصودة في الحساب البنكي ما زلت بكل ثقة في حاجة لعشر سنين أخرى كي أحقق هذا الحلم. أنا المواطن الأبهاوي الذي يقول له ابن مدينته في الأمس (هنا) إنه وقع عقوداً بمليار و340 مليونا لمشاريع البلدية، وهنا أقسم لكم بالله، إنه لم يأت كمسؤول، ليشاهد نصف المدينة المهمل، ولم يدخل شوارعها العائمة في حفر العصور الوسطى رغم ملياره البنكي المرصود لمشاريعه الواهمة. أنا المواطن القلق من نهايات العمر الذي يحلم بنهاية طيبة في المدينة الطبية التي تنام على الورق الإلكتروني الخادع: حائر بين حجز شيخ للرقية وبين تأمين الإخلاء الطبي لشخصي ليلة الحسم الأخير رغم المليارات المرصودة في الحساب البنكي. أنا المواطن الذي حلمت بماسورة الماء إلى خزان منزلي وقد جاؤوني بخريطة المقاول قبل سبع سنين، فلماذا أحتاج إلى هذه السنين العجاف كي أبقى في أحلامي لمجرد الصورة مع ماسورة رغم المليارات المرصودة في الحساب البنكي؟ أنا المواطن الذي حلمت طوال حياتي أن أنقذ أطفالي من تكرار تجربة والدهم في التعليم في البيوت الشعبية، ثم أكتشف أن ابنتي تتنقل منذ تسع سنين في كل تجاربنا في الفصول: من مطبخ إلى هنجر. أنا المواطن الذي تتقاذفه بشائر شتى المسؤولين بداية العام بعشرات المشاريع ثم تأتي وزارة التخطيط نهاية ذات العام بأسباب التعثر. أنا المواطن الذي تتقاذفه البشرى بالسحاب ثم يكتشف أنها مجرد ضباب كثيف لم ينزل على شارعي وحياتي بقطرة واحدة. أنا المواطن التجربة: بشائر ضخمة مع بدء العام وعام ينقضي لا يختلف عن العام الذي سبقه ولا حتى الذي يليه. أنا مع مثل هؤلاء المسؤولين مجرد مليار في الحساب البنكي وحبر سائل لا شيء له في الواقع: مواطن "ما شافش حاجة".