يناقش الباحث اليمني الدكتور عمر عبد العزيز أبعاد البؤس والفقر عبر أحدث كتبه الصادر أخيراً عن دار سندباد للنشر والتوزيع القاهرية بعنوان: الاقتصاد النقدي للبؤس.
والكتاب الذي أهداه المؤلف إلى المفكر الاقتصادي صاحب التجربة الماليزية الدكتور مهاتير محمد، والمفكر المالي المصري صاحب "الاقتصاد النقدي للتخلف" رمزي زكي، عبارة عن دراسة اقتصادية عن أحوال الناس مع الفقر والبؤس في العالم العربي.
يقول الباحث والمفكر اليمني عمر عبد العزيز: إن ظاهرة ارتفاع الأسعار ظاهرة عربية بامتياز، فرغم الأزمة المالية الدولية وتأثيراتها السلبية على الاقتصاد العالمي، إلا أن الوضع في العالم العربي لا يكاد يشبه أي مكان آخر على وجه الكرة الأرضية، ما عدا تلك البلدان المشابهة للبلدان العربية. ورغم إقرارنا بأن الأزمة المالية الدولية انعكست سلبًا على منظومة التداولات الاقتصادية التجارية والاستثمارية والمالية في بلدان العالم المختلفة، غير أنها لم تؤثر على أسعار المواد الغذائية الرئيسية في مختلف بلدان العالم، خاصة تلك البلدان التي تعتبر الأمن الغذائي أقدس أقداس السلم الاجتماعي، بما في ذلك بلدان المنشأ للأزمة، وأقصد تحديدًا الولايات المتحدة، ومن سار على دربها دون قيد أو شرط، والحالة الغذائية وتداعياتها السعرية في اليمن ومصر والسودان، على سبيل المثال لا الحصر، والارتفاعات المتتالية في الأسعار خارج نطاق الإشراف وتدخل الدولة، سببها المضاربات التجارية على حساب المواطنين وحاجاتهم الملحة.. تلك المضاربات التي تقودها هيئة أركان جشعة من محتكري الاستيراد والتوزيع الداخلي، ممن استمرؤوا تحقيق أعلى الأرباح في الظروف المواتية، وخاصة شهر رمضان المبارك.
وتدرك الغالبية أن هذه المعاناة ليست نابعة فقط من بورصة المضاربات المالية الخارجة عن قوانين وأنظمة الرقابة المالية المسطورة في البنوك المركزية دون تفعيل جاد، بل أيضًا من المضاربة في سوق الأسعار، واستغلال حاجات الناس الاستهلاكية المرتبطة بالضرورة الفيزيائية لا بالترف.
ويضيف عبد العزيز: ليس من العدل أن تتحكّم في التجارة حفنة من المضاربين المأفونين بالجشع وتحقيق أعلى الأرباح على حساب ملايين البشر؛ ولهذا على الدول أن تتدخل بجدّية لتأمين حاجات الناس المعيشية، حتى لو اقتضى الأمر إحياء القطاع العام التجاري. مشيراً إلى أن الصيغ التعاونية المرتبطة بمبادرات السلطات المحلية في الأقاليم، وتنظيم أشكال التموين المنظم عبر المؤسسات العامة ذات الكم الكبير من الأفراد المنتمين لها، وبمعنى آخر تحرير تجارة المواد الغذائية بصورة أفقية، كسرًا للاحتكار، وتعظيمًا لقابليات يحقق مواد الاستهلاك الغذائي الضرورية للناس.
ويوضح عبد العزيز أن مثل هذه التدابير تعتبر من الضرورات الملحة، طالما أن الأزمة المالية الدولية ما زالت تعيد إنتاج نفسها يوميًا؛ لتكشف هشاشة النظام المالي الدولي المسحوب على مرئيات وأنماط الاقتصاد الاستهلاكي الترفي الذي وضع الضرورة في مكان الترف، فأصبحت أسعار المواد الغذائية والدوائية أعلى من المنتجات الأخرى، ممّا نراه مشهودًا في مختلف أرجاء العالم.
ويلفت الباحث إلى أن الولايات المتحدة التي كانت وما زالت منصة انطلاق هذا النظام المالي الحائر والمحير، تقف الآن أمام فاجعة لم يكن يتخيلها أحد من ذي قبل، وليس أدل على ذلكم من التصريح الصريح الذي أدلى به الرئيس الأميركي باراك أوباما، متهمًا كبريات الشركات المالية والاستثمارية بأنها سرقت الديموقراطية الأميركية.
وتشير الدراسة إلى أن إنسان ما بعد الإنسان، هو ذلك المواطن الذي يعيد إنتاج حياته اليومية على قاعدة المديونية الدائمة، والمطاردات المستمرة من قبل جهات التمويل، وفي نهاية المطاف الارتهان إلى المنظومة الجهنمية لبنوك التمويل، وإلى جلاديه الذين جرجروه إلى الوهم، وأصبحوا بعد ذلك يستعبدونه، لكونه ملزمًا بأن يبيع فائض قيمة عمله لهم، بل لكي يمنحهم بعضًا من قيمة عمله الفعلي في شكل أرباح تتصاعد يومًا بعد يوم.
ويختتم عبد العزيز بإشارته إلى أن البلدان العربية ذات العمق البشري والمصادر الاقتصادية الطبيعية "غير الاستثنائية"، ارتهنت لهذه الآلية المالية الدولية الموزعة عبر وصفات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وتجد نفسها اليوم مكشوفة في أبسط منّة إلهية منحها الله للبشر، وهي أرزاقهم المتوفرة في البر والبحر. ويقول: كل هذه الدول تعاني الآن من مشكلة توفير القمح اللازم للمائدة اليومية، بعد أن تخلّت عن كل أشكال الحماية، وانصاعت لقانون العرض والطلب الذي سطره منظرو رأسمالية السوق المتوحشة، أمثال ديفيد سميث وريكارد.
ويخلص عبد العزيز إلى القول إن المعاناة اليومية لمواطني البلدان العربية القابعة في المركزيات الشديدة، تنعكس على أوجه الحياة المختلفة؛ ولهذا ليس من الغريب أن نشهد بؤراً للتوتر، وثقافات مواجهات عدمية، بل تنافيا يضر بالجميع؛ لهذه الأسباب مجتمعة لا مفر من أن يقف العقل الجمعي للأمة أمام الفداحات الماثلة، ويعالجها بحكمة، "قبل أن تقع الفأس في الرأس".