في فيلم الإرهابي الذي أدى فيه دور البطولة عادل إمام، كان كلما بدا مترددا في تنفيذ أي أمر يطلبه منه شيخ الجماعة، كان يستخدم عبارة واحدة لإقناعه: من أجل الجماعة يا علي.
إنما، بعيدا عما يحدث الآن في مصر، وبعيدا عن التجارب التي عرفها العالم العربي لقوى سياسية دينية وصلت إلى السلطة وأثبتت فشلها وعدم قدرتها على التحول من الخطاب السياسي الأحادي إلى الوطني، بعيدا عن ذلك فإن المنطق أيضا يؤكد أن وصول القوى الدينية السياسية إلى مواقع السلطة أمر لا يمكن أن يستمر ولا أن ينجح. لأن جماعات الإسلام السياسي تفتقد أصلا القيمة المدنية الكبرى التي يقوم عليها الواقع السياسي لكل دولة، وهي القيمة المدنية التي تؤمن بالمساواة والتداول السلمي للسلطة والتعامل مع الوطن على أنه قاسم مشترك بين الجميع.
يبدو أن حالة النشوة التي أصابت حركة الإخوان المسلمين كانت أكبر مما توقعه الجميع، فقد اتجه الإخوان بمجرد فوزهم في الانتخابات وهو فوز بفارق ضئيل جدا، اتجهوا لاستخدام أبرز وسيلتين لديهم وهي المقايضات والتفاوضات، كل هذا من أجل الجماعة وليس من أجل مصر.
انطلق الإخوان لترتيب البيت السياسي الخارجي من خلال ضبط كل أشكال العلاقة مع الولايات المتحدة ومع إسرائيل، نعم، فعدد الأنفاق التي هدمت في معبر رفح بأوامر من الرئيس مرسي أضعاف تلك التي هدمت أيام نظام مبارك، والدور الأخير الذي قامت به الرئاسة في مصر إبان أحداث غزة منذ ثلاثة أسابيع جعلتهم يحظون بثقة إسرائيلية وأميركية واسعة، فاتجهوا فورا للانقضاض على الداخل.
جاء الإعلان الدستوري ليهشم الثقة الشعبية في الإخوان والمتأثرة أصلا بكثير من الأحداث والوعود التي أخلفتها الجماعة، كان الإخوان يراهنون على أن العالم قد قبض الثمن بعد موقفهم من أحداث غزة، ويتوقعون أن الشارع المصري بات منهكا للغاية من التظاهرات والاعتصامات، أيضا كان التريث والتعقل هو الأداة الأكثر غيابا عن الإخوان.
الخطبة التي قدمها الرئيس مرسي في محيط الاتحادية بعد الإعلان الدستوري كانت مستفزة وتفتقد أي منطق سياسي واع، حتى إن البعض رأى أنها كانت مجرد عناوين وشعارات يستخدمها كل مستبد ليبرر استبداده.
لدى جماعات الإسلام السياسي نقطة قوة في الشارع العربي، وهي اتكاؤها في كل خطاباتها على بعد ديني، تقول من خلاله للجميع إن الإخلاص الديني والسعي للمغفرة والخوف من العقاب هو ما يدعونا إلى إقامة العدل والإنصاف بين الناس، إلا أن الواقع يكشف وبحركة متوالية أن تلك ليست إلا شعارات لم تعد تجد زبائن لها في مختلف الأوساط الشعبية.
كل مصري يسأل نفسه الآن هل من المتوقع أن تخلص الرئاسة المصرية لمصر أكثر من إخلاصها للجماعة؟ بالطبع كلا، فالرئيس مرسي لا يحكم الآن بصفته الفردية بل بصفته عضوا في جماعة يسيطر عليها مجموعة من التقليديين في خطابهم وفي رؤيتهم ومن يحملون ثأرا سياسيا أكثر مما يحملون من رؤية وطنية. فاتجهوا لينصبوا كل الحواجز التي تتيح لهم السيطرة على مفاصل الحكم في مصر، رافعين شعارات واهية ومبررات تتجاهل الواقع السياسي والثقافي في الشارع المصري. المشكلة الكبرى في رفع الشعار الديني على أنه هو سمت الجماعة وعنوانها يجعل من الصراع الذي بدأ يشتعل في الشارع المصري صراعا خطيرا للغاية وستكون له تداعياته، فالانقسام الذي عرفه المصريون في ثورة الخامس والعشرين من يناير كان سياسيا خالصا، أما الانقسام الحالي فهو يتجاوز ذلك لتصنيفات دينية وأخلاقية لم يكن للشارع المصري سابق عهد بها، كل ذلك بسبب أن الجماعة تسرف في استخدام الشعارات الدينية وبالتالي تدفع أنصارها لمواجهة الخصوم على أنهم في مواجهة بين الحق والباطل.
لن تهدأ مصر قريبا، على المستوى السياسي، وسيمثل الإخوان في مصر أكبر دليل على أن الإسلام السياسي لن يستطيع أن يقدم تجربة راشدة ومدنية في الحكم والسياسة، لأن أبرز الخطوات التي يجب عليه أن يخطوها ليتمكن من ذلك هو أن يتخلص من ولائه لجماعته ليتجه إلى ولاء وطني، وحينها لن يكون "إخوان مسلمون". وبالتالي فاحتمال الفشل السياسي القادم لإخوان مصر هو احتمال مرتبط بوجودهم أصلا.