ثقافة الزواج في مجتمعنا من أغرب الثقافات في الأرض. تعمل على طريقة "إما صابت أو خابت"، وفي الغالب نراها خابت، وهو ما تؤكده مؤشرات الطلاق المرتفعة والتي يعلمها الجميع. اليوم تغير الأمر وأصبح الطلاق أقرب الحلول، فلا نجد من ينتظرن طويلا ليقررن أنهن مع الشخص الخطأ. الأسباب واضحة ولكن المشكلة في تطبيق الحلول مع مجتمع ما زال مستمرا في ثقافة الزواج المتعارف عليها والتي تكتفي بمعرفة أن الطرف الثاني جاهز ماديا، "ولمن يرجع؟ خضيري؟ قبيلي؟" وما غيرها ليس مهما. من هنا تبدأ الكارثة الإنسانية، فهناك عائلات تزج بأحد أبنائها المرضى نفسيا للزواج باعتبار المرض النفسي مرضا صامتا لا شكل ولا صوت له، ولكنه يظهر في حياة المرأة، ما إن تبدأ الحياة مع رجل مصاب.
هذا هو حال "بدور" وهي نموذج لعديد من الفتيات أمثالها، تزوجت من شاب لا يبدو عليه أية علامات مريبة واكتشفت بعد الزواج أنه يعاني من الفِصَام/ الذُهان وهو أحد الأمراض النفسية المُعقدة، إذ إن هذه الحالات لا يمكن اكتشافها إلا بالعشرة، فأحال حياتها جحيما، وبالطبع العائلات التي لديها شاب مضطرب أو يعاني من مشكلات نفسية معقدة نتيجة ظروف أو مخدرات لا يفصحون عن هذا بل يمارسون التمويه والغش، حجتهم في هذا أن ابنهم سيشفى إذا زوجوه. وهنا تأتي مسألة الضمير الغائب والمفترض أن يكون مبدؤه أترضونها لابنتكم! وهنا تأتي "بدور" لتكون هي الضحية لكل الأطراف، وعلى قائمتها الأنظمة التي لا تسن تشريع يكشف مثل هؤلاء الغير صالحين للحياة الزوجية. أين الحل في هذه المأساة الاجتماعية؟ الحل ببساطة في إضافة الفحص النفسي كبند أساسي ضمن قائمة فحص ما قبل الزواج، لتثبت خلو الرجل والفتاة أيضا من الأمراض الكامنة والمتوحشة مثل الانفصام الذهاني والوسواس القهري وجنون الارتياب وفصام الشخصية، وهنا أطالب بإدراج بنود جديدة تتضمن الكشف عن كل الأمراض النفسية التي يصعب ملاحظتها ومعرفتها إلا بعد معاشرة طويلة للشخص، ويكون ضحيتها المرأة والأطفال والكيان العائلي بأكمله.
إن كل ما يحتاج إليه مثل هذا القرار المنقذ هو مبادرة عاجلة من وزارة الصحة لإضافة الفحص النفسي إلى فحص ما قبل الزواج باعتباره لا يقل أهمية عن الأمراض الوراثية، وذلك ليكون كلا الزوجين على دراية كاملة بشريك حياته، وحتى لا يفاجأ أحدهم فيما بعد بأنه في مأزق التعامل مع شخص مهووس ومضطرب نفسيا يجعله ضحية لعنف أسري أو انفصال يخلف وراءه ضحايا أبرياء من الأطفال.
قد يعتبر البعض أن الإلزام بإجراء فحص نفسي للشاب قبل الزواج أمر مهين، مؤكدا بأن الفحص الطبي هو الأهم. وربما يصطدم مثل هذا الإجراء بالكثير من المعتقدات والاعتبارات الاجتماعية، ولكن يظل القرار بيد وزارة الصحة، ولإدراك أهمية تطبيق قانون يلزم الشباب بالقيام بالفحص الطبي النفسي قبل الزواج يكفي النظر إلى واقع انتشار العنف والطلاق وتعذيب الزوجات، ووزارة الصحة خير من يعلم الأعداد الكبيرة من هذه الحالات وهؤلاء الضحايا الذين يتم استقبالهم عبر طوارئ مستشفياتهم، آخرها المرأة التي حطم زوجها جسدها بالفأس في الدمام.