"القط": تُنطق بفتح القاف وسكون الطاء، تُطلق على فن نسائي عسيري، وهو تزيين جدران المنزل من الداخل، ولكن ما أدهشني أنه عندما بحثت عن معناها اللغوي ووجدت التالي؛ القط يعني قطع رأس القلم بعد نحت جوانبه بتحريف (ميل) يرتفع فيه السن الأيمن على الأيسر ارتفاعاً قليلاً (الهيتي. عبدالله بن علي، العمدة - رسالة في الخط والقلم، تحقيق هلال ناجي، مطبعة المعارف، بغداد، 1970، ص 90)، ويشير ابن البواب، إلى أن سبب ارتفاع السن الأيمن عن الأيسر، هو أن هذه القطعة تساعد الكاتب على إظهار فركات القلم في الكتابة، والفركة هي رقة الزاوية.

هنا تذكرت الخالة فاطمة أبو قحاص أشهر فنانة في عصرنا الحاضر مارست فن القط رحمة الله عليها،عندما قابلتها 2007، أخرجت من جيبها كيسا محكم الإغلاق خيل لي أن به ذهباً، لكني تفاجأت عندما أخرجت ما بداخله، فإذا هو ريشتها التي كانت تستخدمها في القط.

احتفاظها بريشتها بهذا الأسلوب وخوفها عليها إلى درجة أنها لم تترك لي مجالاً أن أتأملها، وسارعت في إخفائها، لكنني بتطفل الباحث قلت لها لم أتمكن من تصوير الريشة فهلا سمحت لي بتصويرها، فأخرجت واحدة كي أتمكن من تصويرها، فكانت الريشة من شعر الماعز كما وصفها الهيتي، يرتفع سنها الأيمن عن الأيسر قليلاً، وأظن أن تسمية تزيين الجدار جاءت من هنا.

فالقط ليس فقط ريشة وألوانا، إنما هو عمل مجتمعي من بداية تحضير الألوان، التي كانت تصنع من الطبيعة كاللون الأحمر مثلاً فهو يستخلص من حجر "المشق" الذي قد يكلف المرأة حياتها أثناء جمعه من الجبال، ثم تقوم بطحنه إلى أن يصبح بودرة، ثم يضاف إليه الصمغ المستخرج من شجر الطلح، هذا بالنسبة للون الأحمر أما اللون الأزرق فيكون من النيلة، والأبيض من الجص، والأخضر من البرسيم، وهذه الألوان الأربعة فقط هي التي كانت تستخدمها المرأة العسيرية في تزيين منزلها، قبل وجود الألوان الهندية الجاهزة في آخر السبعينات الميلادية.

وبعد عملية تحضير الألوان تجتمع نساء الحي في البيت المراد تزيينه وتبدأ عملية القط، وهي تختلف ـ هنا ـ ما بين أسرة ميسورة الحال وبين أسرة متوسطة؛ ففي الأسرة المتوسطة تقوم سيدة المنزل بنفسها بالرسم على الجدار بمساعدة جيرانها وأقربائها، أما الأسرة الميسورة الحال فتأتي لهم امرأة متخصصة في هذا الفن وتقوم بالرسم على الجدار بالأسود، وتترك تعبئة الرسم بالألوان للنساء الموجودات، هي فقط تنقط بداخل الرسم اللون المراد استخدامه ولا يقتصر دور ربة المنزل وجيرانها على التلوين فقط، بل يقمن بإعداد أفضل الأكلات الشعبية آنذاك، وهي المكونة من السمن والعسل، ويتناولن القهوة والشاي ويتسامرن كل ليلة، إلى أن ينتهين من تزيين المجلس و يكرمن الفنانة التي تأتي لهم كي تنقش بإعطائها طعاماً عند ذهابها لأسرتها ويغرقونه بالسمن والعسل إمعانا في إكرامها.

نحن نفتقد كثيراً روح العمل الجماعي، وهو ما تمثله ممارسات النساء عند قيامهن بتزيين بيوتهن، فأمسينا ـ للأسف ـ الجار لا يعرف جاره، وحتى عندما بدأ الجيل الجديد بالقيام بالأعمال الاجتماعية التطوعية، طاله من النقد ما طاله و تناسوا أننا كمجتمع بدوي أو ريفي، حضري أو قبلي، تاريخنا مفعم بالعمل الجماعي، و جاء الإسلام لتأصيل هذا الشيء فينا قال صلى الله عليه وسلم: (المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص)، ولم يخص جنسا أو عرقا أو أصلا بل للمسلم، سواءً ذكراً كان أو أنثى.