يتميز الخداع البصري، بأنه يعطي للعين صورة مرئية غير حقيقية عن الواقع الموضوعي بصورة مدهشة، حيث إن العين هي نفسها العين التي ترى حقيقة الأمور غالبا، ولكن معالجة العقل لها هي المفصل بين ماهية الحقيقة والوهم.

للخداع البصري ثلاثة أنواع: الخدع التي تخلق صورا مختلفة عن الصورة الحقيقية، والخدع الناتجة عن تحفيز فسيولوجي معين للعين والدماغ، كالسطوع واللون والحجم وأخيرا الأوهام المعرفية، وخدع العقل كخدعة وزارة الصحة عن القطاع الصحي الخاص.

المتتبع لعلاقة وزارة الصحة بالقطاع الصحي الخاص، يجد أنها علاقة فريدة من نوعها، وتحمل في طياتها عددا من المعضلات الإدارية تصلح لأن تكون دراسة حالة في علم الإدارة الصحية.

واجهة الموقع الإلكتروني لوزارة الصحة تستقبل زوارها بأيقونة "متابعة أداء القطاع الخاص" وعند الدخول عليها تجدها تحمل إعلانات لإغلاق مستشفيات في محاولة لخداع المتلقي بأن القطاع الخاص هو المتسبب الأول والرئيس لرداءة الخدمات الصحية بالمملكة، مع العلم أنه لا يمثل سوى 20? من النظام الصحي.

هذه الإعلانات السحرية، هدفها تشتيت الانتباه عن مقدمي 60? من الخدمات الصحية في المملكة، وهي وزارة الصحة وترتفع إلى 80?، إذا ما أضفنا القطاعات الصحية الحكومية غير التابعة لوزارة الصحة. هذا الجزء الحزين أخلاقيا من موقع وزارة الصحة، لم يذكر أين ذهب المرضى الذين يقوم القطاع الصحي الخاص بخدمتهم، خاصة وأننا نعلم أنه غالبا ما يقوم بذلك إما لعدم أهلية هؤلاء المرضى للعلاج في مستشفياتها وعيادتها، أو لأن خدمات وزارة الصحة رديئة فيضطر أصحاب القدرة من المواطنين للذهاب للقطاع الخاص. متابعة أداء القطاع الخاص ليس بإغلاقات بعد أن يقع الفأس بالرأس والأكيد أنه ليس استعراض قوى على 20? لولا الله ثم وجودهم لسقطت الوزارة لقاع جديد، والأكيد أنه ليس بالضرب عرض الحائط بمن لا تستطيع خدمتهم، ويكفي أن تسأل المتضررين من الإغلاقات، والذين وعدت الوزارة بخدمتهم ولم نجد عنهم إعلانا في جزئها الأخلاقي والإداري الناصع عن متابعة أداء القطاع الخاص.

سوء خدمات القطاع الصحي الخاص ليس بحاجة لرصد الوزارة، فالصحف ووسائل الإعلام تقوم بالمهمة للقطاعين الخاص والحكومي، ومع ذلك فإن التجاوب اللحظي لا يتم غالبا إلا للقطاع الخاص، فلم نسمع عن إغلاق مستشفى حكومي أو حتى مركز صحي متهالك، وذلك لأن الوزارة لا تملك القدرة على ذلك، لا لأسباب أخلاقية فهي أثبتت أن المبررات الأخلاقية لا ثقل لها في موازينها في مستشفيات القطاع الخاص، وإنما لعلمها أن قطاعات الدولة الأخرى لن تسمح لها بهذا الخرق الأخلاقي.

كان من الأجدى لوزارة الصحة، أن تشارك العالم على صفحات موقعها الإلكتروني متابعة أداء القطاع الحكومي، أداء 80? من النظام الصحي، جنبا إلى جنب مع أداء القطاع الخاص، حتى يتسنى لصناع القرار إعادة التقييم، وهو الذي قد يودي بوزارة الصحة لهاوية الـ 20? وينقلب السحر على الساحر.

عدم وجود نظام للجمعيات والمؤسسات الأهلية، سمح لوزارة الصحة بالقيام بأداء مدهش في خلق وهم بصري، بأن هدف تطوير الصحة يكمن في متابعة القطاع الصحي الخاص وإظهاره بمظهر المتراخي فقط، لتطالعنا الصحف بمباحثات إنشاء مجلس استشاري لوزارة الصحة مع القطاع الصحي الخاص!.

هل كان القطاع الصحي الخاص سيرضخ لإنشاء المجلس المثير للتساؤل لو أن لديه نقابة أو جمعية تمثله، يستطيع الحديث من خلالها عن إنجازاته وسقطاته، والعوائق التي تواجهه قد تصل لوضع أيقونة عن متابعة أداء القطاع الحكومي في موقعهم الإلكتروني.

المتابعة والمراقبة جيدة ومطلب الجميع، ولكن أن تكون انتقائية، وأن يتم التلاعب بالصورة الحقيقة للوضع الصحي في المملكة وخلق مقصر صحي خاص وهو ابن الوزارة والتابع لها فهذا ما لا ترتضيه أعين عديدة أشاحت ببصرها في اللحظة المناسبة.