في الثلاثين من شهر نوفمبر الماضي عقد مؤتمر حوار الأديان في فينا بقيادة المملكة.. ومن دواعي الاعتزاز والفخر لنا كمواطنين سعوديين أن تقود بلادنا المملكة العربية السعودية حوار التفاهم بين الأديان، امتداداً للدور الريادي الذي تقوم به المملكة والمكانة التي تحتلها بين دول العالم كحاضنة للحرمين الشريفين وواحدة من الدول العشرين التي تقود اقتصاد العالم.. وهي المقر لرابطة العالم الإسلامي والمقر لمنظمة الدول الإسلامية.. ويتوجه مليارا مسلم في أنحاء الكرة الأرضية إلى مكة خمس مرات في اليوم لأداء واحدة من أهم الشعائر الإسلامية.. ولهذا فالمملكة العربية السعودية تستشعر دورها الريادي في هذا الوقت الذي لا يكاد يخلو فيه مكان يوجد فيه المسلمون من حروب وقلاقل وفي بعض الأحيان تصفيات متعمدة.. في وقت يشهد فيه العالم الإسلامي انتكاسات على كل المستويات.. فالعالم الإسلامي يُحارب.. والعالم الإسلامي متخلف في تقنيات العصر.. والعالم الإسلامي متخلف اقتصادياً والعالم الإسلامي متهم بالإرهاب ومتهم بالتطرف ومتهم بكراهية الآخر والسعي لاستئصالة .. والعالم الإسلامي يتعرض للمؤامرات والتكتلات ضده.. وفي ظل تعرض العالم الإسلامي لكل ذلك استشعرت بلادنا دورها في هذا الوقت العصيب بهذه المبادرة النوعية التي تهدف إلى تعارف وتفاهم بين مختلف الأديان وتوضيح صورة الإسلام للعالم.. وفي الحوار بين القادة السياسيين والقيادات الدينية في العالم حول السلام والتطوير والبيئة قام مجموعة من المفكرين من كل الديانات والخلفيات الفلسفية بتعريف "المعايير الأخلاقية العالمية " Universalethical standards التي نتج عنها مقترح سمي "الإعلان العالمي للمسؤوليات الإنسانية..

Universal Declaration at human responsibilities"

وأول مشكلة عبر عنها هذا الإعلان أن أول مشكلة سيشهدها العالم مع بداية الألفية الثالثة هي سوء الفهم الديني وازدياد الإرهاب وإثراء الذعر في الأوساط العالمية. ولهذا تأتي أهمية مبادرة المملكة لحوار الأديان للسعي إلى تكريس السلام والعدالة والتسامح المنطلق من الاحترام وليس من التجاهل واحترام الهوية الثقافية والدينية لشعوب الدول الأخرى والاعتراف بالجيرة الكونية الجديدة.

"New global neighborhood" وتأسيس أفكار إيجابية واقعية وملموسة.

العالم اليوم يدخل العصر المحوري الثاني لظهور دور حديث للدين. وطلب نظراً لذلك من علماء الدين أن يصلوا وبشكل جماعي إلى طرق وأساليب لإيجاد معنى للعيش والسلام في السياسات وذلك في كل ظل الحقائق الآتية:

1- اختلاف المذاهب والجماعات في كل الأديان السماوية: الإسلام واليهودية والمسيحية والبوذية والهندوسية والمعتقدات الكثيرة في الصين. وكل دين له تعددية إيمانية ولاهوتية ومعتقدات. وإذا كانت التعددية في الدين الواحد قد تم تفهمها بشكل كبير يجب أيضاً ولنفس الأهمية تفهم ما تتفق عليه الأديان. فالأديان الثلاثة التي تؤمن بوجود الله كانت على مر الأزمنة ضد بعضها البعض .. والآن وفي هذا العصر يجب أن يكون هناك علاقة بين هذه الأديان عن طريق الحوار الذي يؤدي إلى أن يقوم كل دين بفهم الدين الآخر في علاقة سامية تهدف إلى السلام والتعاون على بناء الكون. الحوار الحقيقي يتطلب تغذية واعية. والفوائد من علاقات الحوار على مستوى الأفراد وعلى المستوى المحلي والدولي لا يمكن إنكارها أو التقليل من شأنها. والحوار يجب أن لا يكون تكتيكاً للإقناع أو إستراتيجية لتغيير الدين. لأنه ليس دعوة بمفهومها المعروف، لكن الحوار هو طريقة للوصول إلى تفهم متبادل عن طريق أولا القيم المشتركة وتبادل المعرفة بين المتحاورين وزيادتها حول الدين والثقافة. يجب أن تشجع وتوسع..كما يجب البعد عن التعميم.

2- من خلال الحوار يستطيع الفرد أن يقدر قيمة التعلم من الآخرين ويقدروا التعلم منه. وبشكل أعم يكون الهدف الوصول إلى ما يسمى "المجتمعات المتعلمة" بدلا من بقاء المجتمعات في وضع تبقى فيه المجتمعات في وضع "تعليم الآخرين" لأن المجتمع الذي يكون دائم التعلم خير من المجتمع الذي يدعي أنه يعلم الآخرين. كما أن تدريس الناشئة على نقاط الالتقاء مع مجتمعات العالم أفضل من تعليمهم نقاط الاختلاف معهم لأننا نيسر لهم فرص التعايش مع الآخرين بدلاً من استمرار الخلاف والنزاع والشقاق معهم. ففي ذلك استقرار للمجتمعات ونموها وازدهارها.

إن مصدر التوتر الديني والسياسي هو الحركات العالمية المتضادة. زيادة الوجود العلماني في بعض أجزاء من الكرة الأرضية وزيادة المتشددين من الجهة الأخرى في أجزائها الأخرى. فزيادة تشدد بعض المسلمين في اضطراد كبير وتشدد بعض المسيحيين في أوروبا زاد بنسبة 20% وفي أميركا بنسبة 65%، وبما أن حركات التدين قد تحدث تأثيراً عظيماً على السياسات الداخلية فإنها في ذات الوقت قد تستغل الدين وتسيء استخدامه في السياسة للوصول إلى غايات محددة والحصول على مزايا مستغلة بذلك الجهل. لتضع بذور عدم الأمان والاستقرار للبقاء في مراكز القوة. وهذا التمازج الحرك والنشط بين الدين والسياسة يعمل كمحفز مستمر للخلافات والنزاعات العالمية في ظل غياب حوار فعال يقضي على الجهل والتدين الأعمى المتطرف والحركات القومية. تلك النزاعات التي تؤدي إلى الحروب ومنع وجود قوى سلطوية تقابل بالعنف والحرب والاحتلال. وأمثلة العراق وأفغانستان، والشر المستطير لفترة طويلة في سيرلينكا والعنف الجديد في تايلاند. التعصب ليس خاصية أساسية لاي دين لكنه موجود في معظم الأديان. ومهمة المجتمعات الواعية والقيادات الدينية وعن طريق الحوار منع سوء استخدام الدين والعزل المجتمعي للتطرف وللمضي قدما نحو عالم آمن خال من المشكلات بتركيز الحوار على:

1- تأكيد قيم العدالة والتعاطف والتمدن والانسجام لتسهيل الحوار الحقيقي الفعّال.

2- الدفع بفكرة تفهم أن في كل الأديان قيما وأخلاقا مشتركة وانسجاما لكن دون تماثل. ولهذا يجب تكريس المواطنة العالمية، من خلال المعايير الأخلاقية العالمية والقيم المشتركة بين الأديان.

3- دعم وممارسة فكرة المواطنة العالمية، لتشجيع التفاعل المثمر بين فكرتي الإحساس بالذات والالتزام بالجيرة الكونية.

3- تطوير خطة عمل من خلال تدريس العقيدة لتنمية مفاهيم التسامح والاحترام والتعلم المشترك مع الآخرين (لفهمهم والسماح لهم بالفهم) لتفهم تعددية العقائد والأديان والمذاهب والقيم والممارسات.

3- دعم فكرة عدم تسييس وسوء استخدام الدين للوصول إلى مكتسبات ضيقة وخاصة.

4- الاعتراف بالخطر الذي يهدد الحياة الإنسانية وتوظيف قوة الحركة الدينية لمواجهة تحديات البيئة باحترام الحياة وحماية الأرض لصالح الأجيال القادمة.

5- التعرف على الطرق التي تكرس السلام والتضامن مع احترام التنوع الثقافي والتعددية الدينية في المجتمعات العالمية.