سعيد علي عسيري

جدة



في شهر رمضان المبارك تتسابق قنوات الاستثمار الفضائية في تسويق مسلسلات من العيار الثقيل كما يحلو لها قوله، في وقت يندر أن يتحدث عنها أحد في السابق، لكن في ظل انفتاح الإعلام وتعدد الخيارات بلمسة زر فقد كانت عقول المشاهد هي الضحية دون رقيب.

ثم تأتي هذه القنوات خلال الشهر الفضيل ومن باب تسويق منتجاتها بإثارة الرأي العام لإنتاج هي قامت به، وتختلق الأخبار والاعتراضات وتوظف الإمكانات الإعلامية بكل الطرق الممكنة لأخذ تصريح من علامة أو شيخ أو مسؤول لمجرد إثارة الرأي واستقطاب مزيد من المشاهدين عند عرضه هذا هو ما حدث لمسلسل مثل (عمر رضى الله عنه) وحقيقة طالما وصل الإنتاج إلى صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم فلا نعلم ما هو القادم طالما بث مثل هذا المسلسل الذي سيطول الحديث عنه كثيرا لا محالة!

ناهيكم أيضا عن برامج ومسلسلات رخيصة الهدف والمعنى، لكن لها أسلوب إخراج عالي المستوى وبطريقة محببة لفئة من المجتمع الذي أصبح يرى في الكذب والخيانة والسرقة والقتل والمخدرات الأقرب إلى مبتغاه، وبسلوكيات وتقليعات غريبة دخيلة فريدة لا ترتقي إلى ثقافة مجتمع متحضر محافظ ولا إلى قيم مكتسبة لا يقدرها إلا نخبة من المجتمع الحريص على ارتقاء القيم وغرس الفضائل.

حقيقة يحز في النفس أن يكون كتبانا مفلسين! وهويتنا مغربة، وإنتاجنا ضعيف أو هزيل لا يعزف إلا على أوجاع الانتقاد من مسؤول أو جهة ما وكأنه حقق صفقة مع الجمهور تمهيدا لتوقيع عقود العام القادم وهلم جرا.. ونضحك كثيرا حينما يتغنون باسم الوطن في أعمالهم وكأنهم يخاطبون طلاب الابتدائية وليس لمجتمع بحجم هذا الوطن الكبير.

لنقف قليلا هنا؟ أين كتابنا وأين منتجونا العازفون على أوجاعنا وأين رؤوس أموالنا المهاجرة؟ أين هم من تاريخ بلادهم وعظيم منجزاته؟ أين هم من قصص وروايات لا يعلمها إلا المواطن المخلص؟ أين هم ممن سطرهم الوطن من عهد المؤسس الملك عبدالعزيز ورجاله الأوفياء؟ أين هم من تضحيات أبناء الجيش على الحدود من حروب الخليج إلى الحد الجنوبي؟ وأين هم من قصص واقعية لرجال وسيدات الوطن الذين خدموا بلادهم بتضحيات يشهد لها التاريخ والأمم أثناء توحيد المملكة؟ أو حياة رموز وطنية شهد لها القاصي والداني أمثال المرحوم غازي القصيبي على سبيل المثال لا الحصر! وأين هم من أم وأب ضحوا بأبنائهم من أجل حماية الوطن من إرهاب أو تهريب مخدرات أو انحراف فكري جديد؟ هل وصل الإفلاس إلى هذا الحد..؟ الجواب: لا يوجد.. حقيقة إنه أمر محير فعلا!

إن الوقت قد حان منذ عقدين من الزمن لبلورة مثل هذا الإنتاج السعودي بفكر وإنسان وأقلام وإنتاج وأموال وطنية صرفة.. لذلك فعلى وزارة الإعلام احتضان كل الفعالين والمؤثرين في صناعة الفن الراقي بدلا من هجرتهم وتسابق الآخرين عليهم، وأن تحتويهم بقوة الهدف وتعمل على قبول همومهم والعمل على دعم إنتاجهم بكل ما تستطيع، ويجب أن يكون هنالك حوار مفتوح بين الوزارة وبينهم دون رتوش، ومن المؤكد أننا سنخرج العام القادم بمسلسلات ترتقي إلى ثقافتنا، ليس في رمضان شهر العبادة فحسب؛ بل إنتاج مستمر طول العام، ليكون رسالة فخر بما نملك من تاريخ تتجاهله قنوات الاستثمار ومن في محيطهم. ولتكن رسالة أخرى للغير، لعرض منجزات هذا الوطن الكبير في عيونهم وفي قلوبنا، بمكتسباته التي هي أهم من دعم خزائن البقية، سواء كانوا جهات أو أفرادا لا يهمهم إلا لغة المال كيف ما اتفق.