يالها من تجربة حزينة، أشهر فقط وتحول الإخوان من جماعة كان بإمكانها أن تقدم تجربة جديدة وواعية لحركات الإسلام السياسي حين تصل للسلطة إلى مجرد جماعة مستبدة قسمت البلد إلى فسطاطين، يبدو أن هذا هو مصير قوى الإسلام السياسي.

طيلة ما يقارب ثلاثين عاما، كان الإخوان المسلمون في مصر مجرد نموذج للمعارضة التقليدية التي استطاعت أن تتآلف وتتعايش مع الحاكم المستبد، وأن تتفاوض معه في أكثر من حدث، بالطبع كانت تحت ضغط قوته واستخباراته وسجونه، لكن الإخوان المسلمين لم يكونوا مجرد معارضة سياسية، إنهم النموذج الأضخم لأبرز وأهم حركة إسلام سياسي عرفها العالم العربي والإسلامي.

كانت أهم خطواتها حين خرجت عن الحيز القطري، وأصبحت عابرة للحدود بين بلدان المنطقة، وباتت تمثل مرجع ولاءات جديدة لكثير من أتباعها، وعاملا يجمع بينهم، ورغم اختلاف تكوينهم الفقهي والثقافي والاجتماعي، إلا أن ذلك لم يكن ليؤثر في امتداد الجماعة واستمرارها لأن ما كان يوحدهم هو العامل السياسي والطموح السياسي.

أيضا لم يكن طموحا سياسيا نزيها عمليا بل أوجد حالة من الخطاب السياسي الذي يتكئ على الإسلام ويأخذ منه مادة لشعاراته وأفكاره، لعل من أبرزها شعار: الإسلام هو الحل.

تلك المرحلة أوقعت الإخوان المسلمين في حرج كبير بدأت آثاره في الظهور الآن، ففي تلك الفترة كان الإخوان منشغلين بتكريس الرابط العابر للحدود، وبإيجاد فكرة يمكن ترويجها ثقافيا أكثر من ترويجها سياسيا، فاستطاعت تلك المقولات وتلك الشعارات أن تجد لها مكانا في الواقع الثقافي الإسلامي والعربي.

طيلة تلك السنوات انشغل الإخوان بالتفاوض مع السلطات الحاكمة، ووصلوا إلى بعض المجالس النيابية والبرلمانات في انتخابات كانت بعض المعارضة المدنية تشكك في نزاهتها ويقاطعونها أحيانا.

الأزمة الكبرى أن الإخوان، فجأة ودون مقدمات وفي أشهر يسيرة وجدوا أنفسهم في الحكم، وأين؟ في مصر، الدولة الأكثر تأثيرا في الواقع العربي، إذن كيف لذلك الخطاب غير الوطني والعابر للحدود، وكيف لتلك الذهنيات المتشبعة بسلوك الجماعة وفكرالجماعة أن تتسلم الرئاسة في بلد مثل مصر ؟

على مستوى ما يمكن تسميته بالشعائر السياسية، سارع الإخوان لإنشاء حزب الحرية والعدالة، وحين بدؤوا يتخلصون من مخاوفهم السابقة شيئا فشيئا بدؤوا يدخلون إلى عمق اللعبة السياسية حتى وصلوا إلى الحكم، يبدو أن الواقع الجديد كان أكبر من أن يتم استيعابه بسهولة بالنسبة للإخوان .

نحّى الإخوان كل القيادات الشابة، ليس فقط من الثوار ومن قادة ميدان التحرير بل حتى من الجماعة، وتصدت للمشهد تلك القيادات التقليدية القديمة المتشبعة بخطاب قديم وبرؤية قديم لا تمت للمرحلة بصلة.

كانوا مجموعة من القيادات الإخوانية التي عاشت لعشرات السنين في ظل نظام مبارك، يبدو أنها لم تستوعب هذا التحول الكبير الذي حدث لهم، إنهم كمن كان ينفذ عملية تهريب يسيرة فاكتشف أن الطرق مفتوحة أمامه فتخلى عن حذره وأظهر بطره مبكرا. لذلك فالإخوان الآن ينطلقون من ذهنيتهم القديمة ومن وعيهم القديم، من إحساسهم بأنهم عبارة عن جماعة، وليسوا حزبا وصل للسلطة . صحيح أنهم يمتلكون كل شيء في الدولة ولكنهم ما زالوا يفتقدون لخطاب الدولة وقمية الدولة، مقابل طغيان خطاب الجماعة وقيمة الجماعة.

قرابة ستة أشهر فقط، وانهارت صورة الجماعة المنقذة التي ستنتقل بمصر من مرحلة الاستبداد إلى مرحلة التوافق والحريات والإجماع، وبدلت كل ذلك بقرارات تحمل كثيرا من الارتباك، وكثيرا من الاندفاع، لقد كان المسيطر هو سلوك الجماعة المضطهدة، وليس سلوك الحزب السياسي المنتصر .

أين هي القيادات الشابة في الإخوان المسلمين؟ حتى وإن كانت هناك كوادر شابة، لكن الكبار أغرتهم السلطة فاستأثروا بها خطابا ورؤية وحتى استقواءً على غيرهم، انظروا من يتحدث باسم الجماعة في اللقاءات التلفزيونية والحوارات اليومية التي تشهدها مختلف قنوات الإعلام المصري؟ أغلبهم من فئة الكوادر القديمة من الجماعة التي لم يتغير خطابها ولا رؤيتها، ويتعاملون مع كل ما يحدث على أنه نصر سماوي واصطفاء لهم، ولذلك بات الإخوان يديرون معركة دينية أكثر من كونها معركة سياسية، لسبب يسير هو أنهم لم يصنعوا لهم خطابا سياسيا يقدمهم لأهل مصر وللعالم فالتجأوا لخطاباتهم القديمة وهي خطابات عابرة للحدود لا تحمل أية أبعاد وطنية مدنية .

هذا حريق كبير يشب في أول وأضخم عربات قطار الإسلام السياسي، الذي انطلق متأخرا وبتقنيات جديدة كان يفترض أن من يدير أزرار القطار الجديد هم الشباب الجدد سواء من الإخوان أو من الذين قادوا الثورة في الميدان، أولئك الشباب قد تكون أصابعهم أفضل للنقر على الأزرار الجديدة، ربما أفضل من قيادات الإخوان العتيقة التي لا تجيد سوى الضرب بباطن الكف وتسديد اللكمات لتلك الأزرار.