أسقطت ثورة البوعزيزي في تونس زين العابدين بن علي، لكن نظامه بقي. غادر بن علي لكن ورثة النظام تقمصوا شخصيته، فقمعوا المنادين بالحرية وبلقمة العيش. لم تتغير الأحوال ولم تتبدل المناخات، وما كان سيئا ازداد سوءا، ومن كان يتجنب وسائل القمع، واعتبر أنه انتصر عليها، وجدها بلباس آخر، وبذهنية العصر السابق.

منذ أيام احتفلت سيدي بوزيد، مهد الثورة التونسية، براحلها محمد البوعزيزي. وأرادتها السلطة الجديدة مناسبة لكي تكفر عن ذنوب السنوات العجاف التي أمضاها أبناء الأطراف من تونس. أراد الرئيس المنصف المرزوقي بالكلام أن ينصف أبناء سيدي بوزيد، ولكنه كان كلاما مكررا وفارغا من أي محتوى إنمائي.

استوعب المواطنون الكلام بسرعة، وردوا عليه بما هو أسرع منه، ولكن لم يعتمد الأهالي ما أقدم عليه البوعزيزي، ولم يسكبوا البنزين على أجسادهم لتشتعل، بل نحوا منحى آخر.. الحجارة والطماطم كانت أسرع من كلمات المنصف ومن رافقه إلى الاحتفال، وهم كانوا الأسرع بمغادرة المكان.

لم يمت البوعزيزي من أجل "النهضة" ولا من أجل التحالف الثلاثي الغريب العجيب الحاكم، ولو كان يعرف أن هذا النسيج سيرث بن علي لما كان أقدم على ما أقدم عليه، فالصفعة التي وجهتها الشرطية تبقى أقل وطأة من صفعة من يدعي الطهارة، وهو في النهاية طالب سلطة.. فقط.