هذا العنوان كان آخر ظهور له يوم أمس الأول في ندوة بجامعة الملك عبد العزيز بجدة، مما يعني أنه جاء ضمن نقاش أفكار وتطلعات ودراسات وليس ضمن قرارات، وهذا هو شأن الندوات العلمية، لكن المشكلة الأبرز هنا أن مثل هذه العناوين تجعلنا في مواجهة استحقاق يفترض به أنه سيصدر كقرار أو أنه في طور الصدور، لأننا لا نتحدث عن احتياج مستقبلي أو توقعات مستقبلية بل هي ضرورة قائمة وملحة. وبالتالي أتصور أن مستفيدا من الضمان الاجتماعي وهو يقرأ ذلك الخبر كان يحدق في الصحيفة بحثا عن صورة الوزير المعني بالقضية وليس عن صورة متحدث في ندوة.
من المنطقي القول إن وزارة الشؤون الاجتماعية لا تملك وحدها القرار في تطبيق نظام التأمين الصحي للمستفيدين من الضمان الاجتماعي، لكن بالمقابل لعلها أبرز الجهات والوزارات التي تدرك مدى الحاجة إلى ذلك، خاصة أن الحصول على علاج سهل ومجاني ونوعي لم يعد مسألة يسيرة، بالنظر إلى الإقبال الشديد الذي تشهده المستشفيات الحكومية، ولكن وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية للضمان الاجتماعي كان قد صرح في وقت سابق بأنهم سيطبقون التأمين الصحي على مستفيدي الضمان الاجتماعي، وأن الخيارات المتاحة هي التأمين على المستفيدين عن طريق شركات التأمين بهدف الجودة ووصول الخدمة إلى المستحقين رغم صعوبته، وأوضح أن الخيار الثاني إيجاد تأمين تعاوني ضماني, والخيار الثالث هو التعاون مع المستشفيات الحكومية كـ"مستشفيات خيرية"، أما الخيار الرابع فهو التعاون مع المستشفيات الأهلية الكبرى التي تستطيع تغطية مناطق المملكة ولديها جودة في تقديم خدماتها، ورفض تحديد وقت لبدء تطبيق البرنامج حتى يتم اختيار الآلية المناسبة.. هذا التصريح يشير أيضا إلى أن تناول المسؤول المعني بالقضية كان أيضا عبارة عن أفكار وحزمة من الخيارات ولا يحمل رؤية للوقت ولا لبدء التنفيذ.
المؤلم في مثل هذه الأخبار أن هناك من ينتظرها ومن هو بحاجة ماسة إليها، وبقاؤها في حيز مداولات وتصريحات المسؤولين يجعلها مجرد أخبار حزينة ومحبطة، لكن الإحباط الأبرز هو ما نشرته إحدى الصحف المحلية من أن تفكير وزارة الشؤون الاجتماعية في مثل هذه الخطوة إنما يمثل مخالفة صريحة للأنظمة ويتعارض مع مواد النظام الصحي الصادر بالمرسوم الملكي الكريم رقم م/ 11 وتاريخ 23 / 3 / 1423 وخاصة المادة السادسة منه والتي تحدد التزام الدولة ممثلة في وزارة الصحة بتوفير الرعاية الصحية بكافة عناصرها للمواطنين.
إذا فالمشكلة لدينا تقع على مستويين يجب أن يكون المعول عليه في التعامل معها هو الواقع، ما الذي يقوله الواقع: هل تلتزم وزارة الصحة بتوفير الرعاية الصحية بكافة عناصرها لكل المواطنين؟ أتصور أن ذلك صحيح على المستوى النظري فقط، بينما الواقع يحمل كثيرا من أوجه القصور والاحتياج المتنامي للخدمات الصحية، انظر فقط للإقبال الذي تشهده المستشفيات والمراكز الصحية الخاصة لتدرك حجم انصراف الناس عن الخدمات الصحية الحكومية التي تعاني باستمرار من الزحام وتأخر المواعيد وتجاوز القدرة الاستيعابية لبعض المستشفيات وتحملها أكثر من طاقتها من المرضى والمراجعين. ذلك الواقع هو الذي فتح الباب لطغيان الجانب الربحي على المستشفيات الخاصة، وأدى إلى تراجع الخدمات مما نتج عنه واقع مؤلم من الأخطاء الطبية وتدني مستوى الخدمات.
ستكون الأخبار إيجابية لو تم إعلان تشكيل جهاز مشترك بين وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الصحة للعمل على الوصول إلى رؤية واضحة وقابلة للتنفيذ فيما يتعلق بالتأمين الصحي لمستفيدي الضمان الاجتماعي، ذلك أن الواقع المعيشي لكثير منهم يجعل من العلاج والرعاية الصحية معضلة كبرى في حياتهم، يستطيع هذا الجهاز الوصول لتكييف واضح للأنظمة أو العمل على استصدار قرار خاص بهذا الملف بعيدا عن الاحتمالات والخيارات التي قد تكون مستعصية على التطبيق، فالحديث عن مستشفيات خيرية مثلا أو التعاون مع المستشفيات الحكومية كلها أفكار تحتاج إلى الكثير من الوقت والجهد وفي طياتها الكثير من التعقيد.
للتأمين الصحي تطبيقات واسعة جدا، وفي كثير من دول العالم يتم استخدام أكثر من تطبيق بما يلبي احتياج مختلف الفئات، وبينما ندرك جميعا أن تأخر تطبيق التأمين الصحي بات سؤالا كبيرا في واقعنا السعودي، ندرك أكثر أنه بات احتياجا وضرورة للفئات الاجتماعية ذات الوضع المعيشي القائم على الضمان الاجتماعي.
سيكون خبرا سارا مع إطلاق الميزانية الجديدة، أن نسمع عن خطة لتطبيق التأمين الصحي، تبدأ أولا بمستفيدي الضمان الاجتماعي.