بعض الأصدقاء المقربين من صفوف كبار ضباط الجيش الأميركي يعتقدون أن منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) فوتت فرصة العمر عندما انهار الاتحاد السوفييتي. كان الناتو يمتلك الفرصة لإعلان الانتصار التام في الحرب الباردة التي دامت 45 سنة – دون أن يضطر لإطلاق رصاصة واحدة. ربما كان يمكن إقامة عروض عسكرية في واشنطن، باريس، أو حتى برلين، احتفالا بالانتصار على الشيوعية. وبعد ذلك كان يمكن للناتو أن يحتفل بالانتصار وأن يعلن حل نفسه وعودة كل جندي إلى بيته.

الآن، بعد عشرين سنة من انهيار الاتحاد السوفييتي، تطور الناتو في الحقيقة إلى قوة شرطة عالمية. ومع أنه كان مفهوما أن أعضاء حلف الناتو الأوروبيين كان لديهم مخاوف مشروعة عندما اندلعت الحرب الإثنية في البلقان، بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، أصبح الناتو يتدخل الآن في مناطق من العالم لا تشبه منطقة الأطلسي ثقافيا أو دينيا أو سياسيا. النتيجة ستكون سيئة على الأرجح. ردا على طلب من تركيا، وهي عضو في الناتو، سيقوم الحلف بنشر بطاريات باتريوت متطورة في جنوب تركيا قرب الحدود السورية. أنظمة الباتريوت مصممة لإسقاط الصواريخ والطائرات القادمة. احتمالات أن تقوم حكومة الأسد في سورية بشن حرب تقليدية أو حرب كيماوية على تركيا قريبة من الصفر. سيكون شن حرب على الناتو بمثابة انتحار. هناك اعتقاد سائد بأن نشر صواريخ الباتريوت وطائرات الأواكس للاستطلاع في تركيا جزء من الاستعداد لعملية عسكرية هجومية ضد سورية و/أو إيران. بالإضافة إلى بطاريات الباتريوت وطائرات الأواكس، أعلن حلف الناتو أيضا خططا لإعادة نشر جميع قواته البرية الموجودة حاليا في إسبانيا وألمانيا، إلى تركيا أيضا. منظمة حلف الناتو تتوجه شرقا من المحيط الأطلسي وتتوجه إلى آسيا الصغرى ومناطق أخرى في الشرق.

ضباط كبار في الجيش الروسي قالوا في الأسبوع الماضي إن نشر الباتريوت والأواكس في تركيا هو استعداد للحرب ضد إيران في 2013.

أنا قلقة، مثل مجموعة كبيرة من كبار الضباط الأميركيين من أن خطر الحرب الحقيقية خلال الشهور والسنوات القادمة هو نشوب حرب أكبر بكثير، تشمل الولايات المتحدة وروسيا والصين، وجميع هذه الدول تمتلك ترسانات ضخمة من الأسلحة النووية الحرارية مع أجهزة توصيل مناسبة لها.

إعادة انتشار قوات الناتو بحد ذاتها لا تسبب الكثير من القلق. لكن الولايات المتحدة تتحرك في نفس الوقت لوضع خطط عدائية لبناء دروع صاروخية واسعة في أوراسيا، بدءا من الشرق الأوسط والشرق الأقصى للمحيط الهادئ، حيث التهديدات من كوريا الشمالية وإيران هي موضع التركيز الأول. في الأساس، من خلال اتفاقيات تمت مناقشتها في لشبونة، البرتغال منذ سنتين، فإن نظام الدفاع الصاورخي البالستي لأوراسيا كان يفترض أن يكون مشروعا مشتركا بين دول حلف الناتو وروسيا. عرضت روسيا تقديم منشآت رادار في أزربيجان من أجل جهود مشتركة للدفاع في حرب محتملة مع إيران في حال شنت ضربات صاروخية ضد جيرانها في منطقة الخليج.

قبل اتفاق لشبونة، كان لدى إدارة بوش- تشيني خططا أحادية لوضع أنظمة صواريخ دفاعية في أوروبا الشرقية، وهي حركة أغضبت كثيرا القيادة الروسية.

في بداية فترته الرئاسية الأولى، ألغى باراك أوباما تلك الخطط وطلب من واضعي الخطط الدفاعية الأميركيين إعادة وضع خطط جديدة. اتفاقيات لشبونة جاءت من تلك العملية من إعادة التفكير.

عندما سقطت الاتفاقية، لجأ الرئيس أوباما إلى نسخة معدلة من خطة بوش-تشيني بالذهاب إلى حل منفرد. روسيا ترى في ذلك انهيارا أساسيا لنظام الردع الذي جنب العالم حربا نووية خلال الحرب الباردة. الرئيس رونالد ريجان كان قد اقترح في 1983 بأن تعمل الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي معا لتطوير نظام دفاع صاروخي عالمي يجعل من الحرب النووية أمرا غير ممكن –أو على الأقل مكلفة بشكل أكثر مما يمكن تبريره. في ذلك الوقت، رفضت القيادة السوفييتية عرض ريجان لأسباب لا تزال محيرة.

الآن، يتحرك الناتو شرقا إلى مناطق جديدة على الحدود الروسية. الخلاف على نظام الدفاع ضد الصواريخ البالستية يجبر الروس على تسريع تحديث ترسانتهم من الأسلحة النووية، وعلى التهديد بضرب أنظمة الدفاع الصاروخية التابعة للناتو القريبة من حدود روسيا.

هناك بعض المصداقية للاتهامات الروسية بأن نشر صواريخ الباتريوت والأواكس في تركيا مؤشر على أن الناتو يستعد لحرب قريبة الأجل ضد إيران. بعد النجاح الأخير للقبة الحديدية الإسرائيلية خلال الهجوم على غزة، قد يكون نظام باتريوت قرب إيران رادعا ضد ضربات صاروخية انتقامية ضد إسرائيل في حال هجوم إسرائيلي أو إسرائيلي-أميركي على إيران.

ما هو الهدف من كل هذا؟ ما لم تتحسن العلاقات الأميركية-الروسية فإن الصراعات في الشرق الأدنى يمكن أن تخرج عن السيطرة وتتطور إلى أزمة أكبر بكثير، وربما إلى حرب أكبر بكثير. سلسلة "الحروب الصغيرة" التي اندلعت في البلقان بين 1890 و 1914 أشعلت في النهاية الحرب العالمية الأولى. دعونا نأمل أن السنة الجديدة ستخرجنا من هذه الصراعات وتجنبنا حربا لا يريد أي عاقل حتى أن يفكر بها.