لم يخل وزير من وزراء الصحة من النقد الموضوعي وغير الموضوعي. وللحقيقة لا بد لنا أن نعترف بأن هناك جهودا جبارة بذلها الوزراء السابقون والوزير الحالي لوزارة الصحة، ورغم كل هذه الجهود إلا أن درجة الرضا في المجتمع عن الخدمات الصحية جداً منخفضة، وأحياناً يكون السبب هو أن سقف التطلعات للخدمات الصحية عال جداً، وأن المتاح أو المقدم من هذه الوزارة والقطاع الخاص لا يحقق طموحاتهم، وبصرف النظرعن الأسباب إلا أن هناك حقائق علينا أن نعترف بها وهي عبارة عن أرقام وإحصائيات رسمية ومدققة يصعب إنكارها أو تجريم من أصدرها، ورغم أنني كنت مع قائمة المنتقدين لوزارة الصحة والقائمين عليها، ومازلت أقدم نقدي بهدف التطوير والارتقاء بالخدمة الصحية وليس بهدف التجريح والتجريم وإلقاء التهم الباطلة، فإن ما دفعني إلى مقالتي اليوم هو الإنصاف للحق بناء على المعلومات والإحصاءات الرسمية، التي لا يمكن أن تقدم معلومة مغلوطة، وقد يعترض البعض على الأرقام والإحصاءات الرسمية إلا أنه يصعب عليهم تقديم البديل عنها من المعلومات. وحيث إنني مثل زملائي من الكتاب نعتمد على المعلومات والإحصاءات الرسمية كان من الواجب علي أن أعرض على قرائي بعض البيانات عن الخدمات الصحية إحدى أهم الخدمات المقدمة للمواطنين وسكان المملكة وزوارها، حيث وصلت أعداد المرافق الصحية في المملكة إلى (251) مستشفى مختلفة الأحجام والتخصصات و(2109) مراكز للرعاية الصحية الأولية بالإضافة إلى المراكز التخصصية والمدن الصحية والبرامج النوعية المتعددة التي يعمل بها ما يزيد على (250) ألف موظف وموظفة، وحسب إحصاءات وزارة الصحة للعام الماضي فقد استقبلت العيادات الخارجية بالمستشفيات حوالي (11,5) مليون مراجع، أما أقسام الطوارئ فقد استقبلت (20) مليون مراجع وتم إجراء ما يزيد على (430) ألف عملية جراحية وأكثر من (260) ألف حالة ولادة. ونظراً لمعاناة الوزارة من أزمة الإمكانات المتاحة من الأسرة في المستشفيات الحكومية إلا أنها لم تقف عاجزة عن تقديم الخدمة السريرية للمرضى، حيث عقدت اتفاقيات مع مستشفيات القطاع الخاص لشراء خدمة أسرة تمريضية في مستشفيات القطاع الخاص بلغت قيمتها حوالي (500) مليون ريال في العام الماضي.
وخلال السنوات الثلاث الماضية استطاعت وزارة الصحة أن تنشئ (621) مركزاً للرعاية الصحية الأولية وتم تشغيل (47) مستشفى بلغ مجموع سعتها السريرية (4,770) سريراً، وتحت الإنشاء (706) مراكز صحية، وسيتم إنشاء وتجهيز (128) مستشفى، بالإضافة إلى المشروع الصحي العملاق الذي طال انتظاره وكان حلماً لنا ولأهل المنطقة وهو مدينة الملك فيصل الطبية لخدمة المناطق الجنوبية، بالإضافة إلى تجهيز مدينة الملك خالد الطبية في المنطقة الشرقية ومدينة الأمير محمد بن عبدالعزيز الطبية لخدمة المناطق الشمالية. وتوسعة مدينة الملك عبدالله الطبية بمكة المكرمة، بالإضافة إلى توسعة مدينة الملك فهد الطبية في الرياض، وعند اكتمال هذه المشاريع وتوسعاتها سيصل عدد الأسرة التمريضية إلى (66) ألف سرير خلال السنوات القليلة القادمة في المستشفيات الحكومية. وبلغ مجموع الأطباء في المملكة (65,619) طبيباً نسبة الأطباء السعوديين 21,27% منهم (9,160) طبيب أسنان، السعوديون منهم (2,037) كما بلغ عدد الصيادلة في القطاع الحكومي (4,579)، 50% منهم تقريباً سعوديون، ووصل عدد الصيادلة في القطاع الخاص حوالي (10,349). وأخجل من ذكر نسبة السعوديين في القطاع الخاص، وبلغ عدد الممرضين والممرضات العاملين في المملكة (129,792) نسبة السعوديين منهم تقريباً 33% وبلغ عدد العاملين في الخدمات الطبية الصحية المساندة حوالي (73,284) نسبة السعوديين منهم 66,7%، وبلغت نسبة إشغال الأسرة في القطاع الحكومي حوالي 60% وفي مستشفيات الصحة النفسية والصدرية والحميات 84%، وفي مستشفيات أمراض النساء والولادة 71,2%. أما حالات التنويم في المستشفيات التابعة لجهات حكومية أخرى بلغت حوالي (520) ألف حالة ووصلت حالات التنويم في المستشفيات الخاصة حوالي مليون ومئة ألف حالة.
أخي القارئ بعد العرض الإحصائي يتضح لنا صورة واضحة عن العجز الكبير الذي تواجهه مستشفيات المملكة ومراكزها الصحية من الأطباء السعوديين، حيث إن نسبتهم لا تتجاوز30% من عدد الأطباء في المملكة، وكذلك بالنسبة للممرضات حيث تصل نسبة السعوديات في هذا القطاع إلى 33% وهذا يدفعنا إلى المطالبة بضرورة التوسع في إنشاء كليات الطب وتشجيع القطاع الخاص لإنشاء كليات الطب بمختلف تخصصاتها، كما يدفعني إلى المطالبة بتشجيع الابتعاث لدراسة الطب بتقديم حوافز أكبر من تلك التي يحصل عليها الطلبة المبتعثون في تخصصات أخرى. كما يدفعني أيضاً إلى المطالبة بضرورة التوسع في إنشاء كليات التمريض في جميع الجامعات السعودية التي تتواجد فيها مستشفيات جامعية، وتشجيع القطاع الخاص للاستثمار في هذا المجال تحت إشراف وزارتي الصحة والتعليم العالي. كما أنني أشعر بقلق كبير تجاه النمو السكاني المتزايد الذي أخشى ألا يقابله استثمار في الخدمات الصحية لاستيعاب الاحتياج المتزايد في السنوات القادمة. إن مشاركة القطاع الخاص بتقديم الخدمة الصحية لتنويم مليون ومئة ألف حالة يؤكد أهميته، ولا يمكن أن نعتبر الإهمال والأخطاء الذي طرأ في بعض القطاع الخاص أنه علامة مميزة للقطاع الخاص، وأعتقد بأن السبب في القصور في نوعية الخدمة هو قصور في نوعية المراقبة من وزارة الصحة. هي أرقام وحقائق أردت نشرها وأنا كاتب محايد، لا علاقة لي بالاستثمار في الخدمات الصحية سوى أنني مريض مثلي مثل الآخرين، أراجع هذه المستشفيات وبكل فخر. ولا يسعني إلا أن أهنئ معالي الدكتور الربيعة على جهوده وعلى الإنجاز المبدع في فترة تحمله المسؤولية، وعليه أن يقبل منا النقد الهادف ولا يُحبط، ووزارته هي إحدى أهم الوزارات الخدمية لسكان المملكة. وإن كان هناك قصور وفساد فلا مانع أن نعمل معاً لمعالجته، فما يدفعنا إلى الثقة في قطاعنا الصحي هو أن ولي أمرنا القادر على العلاج خارج الوطن قد أجرى عمليته الدقيقة والمتخصصة في أحد المستشفيات السعودية وبمشاركة بعض الأطباء السعوديين. كما هو فخر لنا أن بعض الأطباء السعوديين يعملون في أكبر وأشهر مستشفيات الولايات المتحدة وأوروبا.