يحدث أن يجتاحك مثل القطار شاعر شاب تجاوز توا مرحلة البلوغ وإن لم يكن تجاوز بعد المرحلة الثانوية، كل إنجازاته في الحياة استخراج رخصة قيادة، غامرا شماغه بطن كيلومتري من نشا الملابس، متبوئا مقعده من شاشة الفضائية الفضفضائية في غفلة من الذوق ووضعية كالبوق وأنت الجالس بلا حول ولا قوة، ليسبغ عليك كما هائلا من النصائح تحض على بر الوالدين والإحسان والجار والإخوة وإكرام الضيف ومكارم الأخلاق والطيب والبعد عن العيب واحترام الكبير والعطف على الصغير، متحسرا على حياة الأولين التي كانت تضج بالبساطة والتواضع والتواصل وعدم تفشي المظاهر والكذب، حيث الغزل عفيف شريف والحبيبات القديمات يرفضن الجبان ولا تغرهن الأشكال ولا الوسامة ولا الأناقة كما الآن.
وبعد أن ينتهي من طرق رأسك بمطرقة النصائح والمناحات السقيمة والتوجدات التافهة، ينحدر كما السيل شارحا نظريته في الحياة المعتمدة على فرادته وقوة بأسه، وأن ما حصل عليه كان بفضل جهوده لا منة من أحد، وأن كل هذا النجاح استحقه رغما عن الجميع الذين كانوا يتسقطون وقوعه وهزيمته، لكن وبحسب خارطة الأخ الجينية عليهم أن ينتظروا طويلا كما أن استسلامه "بعيد عن شواربهم"، ثم يبدأ بعد ذلك في خوض حرب وهمية ضد أعداء كالأشباح.
وبعد الفراغ من هذا كله يعود أدراجه إلى الحبيبة الوهمية ليعطيها درسا في عزة النفس، وثبات الموقف والإصرار وأن جنابه لا يعود إليها إن زلت بكلمة أوهفت بنظرة أو أساءت التعامل.
وفي نهاية الفيلم الوعظي الطويل تنتهي القصيدة بمزحة أو نكتة "بائخة" وغير ذات معنى ليشتعل تصفيق مثل الحريق لا يعرف آخره من أوله مصدره صالة اكتظت بأقربائه التافهين الذين توسل إليهم حتى دمعت عيناه ويبست شفتاه.
عنترة القصيدة متنبي القوافي وزير المعاني وزير الأماني، الجهبذ الفطحل الشغموم البيطار الطعس التعس الذي ابتلى الشعر والناس وعربسات والريموت بحثا عن خيل كلامية ورماح ورقية يضطهد مخلوقات الله في نعم الله التي أسبغها عليهم من سمع وإبصار وإحساس فلوث الأولى وأضر بالثانية وكاد يعطب الثالثة.