فيلم "آرجَو" الأميركي الذي عُرض مؤخرا في صالات السينما العربية هو من إخراج وبطولة الممثل بن أفليك، فيلم إثارة سياسي يستحق الإشادة التي حصل عليها حتى من موقع الطماطم الفاسدة الشهير، وهو يتحدث عن الحدث الشهير لاقتحام الثوريين الإيرانيين الإسلاميين للسفارة الأميركية عام 1979 والذين احتجزوا فيها من يعملون في السفارة كرهائن لديهم، وعددهم 52 أميركيا لمدة 444 يوما، كوسيلة ضغط على أميركا لتسليم الشاه الهارب، وخلال هذه الأحداث استطاع ستة ممن يعملون في السفارة الهروب واللجوء إلى بيت السفير الكندي الذي ساعدهم على الاختباء حتى تتصرف أميركا لإخراجهم قبل اكتشافهم وإعدامهم بتهمة التجسس.

هكذا تصدر الأوامر للاستخبارات الأميركية؛ ويُكلف عميل أميركي ذكي وجريء بذلك، والمدهش في الأحداث أن يكون إنقاذهم بالتعاون مع شخصيات سينمائية في هوليوود، فالخطة تتكئ على مشروع مزيف تتبناه هوليود لتصوير فيلم من الخيال العلمي اسمه "آرَجو" ليس له أي معنى في القاموس الأميركي، لتُوهم إيران أن الستة المختبئين ليسوا سوى مواطنين كنديين يعملون في هذا المشروع السينمائي، سافروا إلى إيران بحثا عن مكان مناسب لتصويره في منطقة شرق أوسطية، هذه الفكرة التي عارضها البيت الأبيض اعتقادا بفشلها تنجح فعلا في إنقاذ هؤلاء وتخدع إيران، والخطة تشترك فيها أسماء شهيرة من هوليوود، كما تنشر الصحافة الأميركية أخبارا مزورة عن الفيلم المزيف، لتوهم إيران أنه مشروع سينمائي حقيقي!

الفيلم ببساطة يلقي الضوء بشكل غير مباشر على دور السينما وتعاونها مع السياسة الأميركية، فالسينما الأميركية لها دور كبير بالتبشير السياسي في اللاوعي، إنها أشبه بـ"المكياج" الأنيق الذي يُحسن وجه أميركا الآخر ويصلح من أخطائها السياسية البشعة في حق الإنسان خارج حدودها، والأفلام التي أنتجت عن حربها مع الفيتنام خير دليل، لكن حين كنتُ أشاهد الفيلم تساءلت: لماذا يخرج الآن في ظل الثورات العربية التي تعيشها المنطقة وتختطفها الجماعات الإسلامية من شعوبها؟!

إنه فيلم يلقي بالضوء على جزء من الثورة الإيرانية التي أسقطت الشاه ثم اختطفها رجال الدين، لتتحول إلى ثورة قامعة للشعب نفسه باسم الحلال والحرام بحكم ولاية الفقيه، ويُركز على قضية كانت مدفونة في ملفات الاستخبارات الأميركية بسريّة لسنوات طويلة، ومن يشاهده يرى الخوف والاستبداد باسم الدين في الشارع الإيراني، فالأموات ممن يُحكمون بالإعدام شنقا؛ يظلون لأيام معلقين في الهواء على رافعات السيارات بالشوارع، لتخويف قلوب الإيرانيين إذا ما حاولوا الاعتراض! والتهم جاهزة بـ"التجسس" و"الخيانة" باعتبارهم من فلول النظام السابق!! ويبقى حال الإيرانيين قبل الثورة هو حالهم بعدها: الفقر، والعدالة الاجتماعية والحرية مفقودتان، ولم يتغير سوى رأس الحكم والطريقة!

حين انتهيت من مشاهدته قلت: كم يشبه ما حدث في إيران عام 1979 ما يحدث في بعض الدول الثائرة الآن ونحن في 2012!!