في ساعات الصباح الأولى لأول أيام العيد، وثق الجداويون صباحهم الأول على كورنيش جدة الشمالي "استجماماً واستمتاعاً بأمواج البحر"، بعد الخروج من شهرهم المبارك، حيث انتشرت التجمعات العائلية والشبابية على امتداد الكورنيش، ولم يغب عن الجميع توثيق ساعات عيد الفطر الأولى عبر هواتفهم النقالة والأجهزة اللوحية الذكية، مع وجوه مبتسمة رمت أثقالها وهمومها على شواطئ البحر، فلم يكن البحر بالنسبة لهم "هموما يرمونها بين قيعانه"، بل تحول إلى "ملمح يصنع ابتسامتهم".

الفطور الأول كان حاضراً أيضاً بين أركان تلك الجلسات، فبعض العوائل أحبوا أن يضفوا على عيدهم "حيوية" بتناول وجبتهم الرئيسية على ضفاف البحر، إيذاناً منهم بتغيير طريقة البيت الجداوية في تناول تلك الوجبة العائلية بين جدران منازلهم.

هواية "صيد السمك" في السقالة الرئيسية كانت الأكثر شعبية بين ضفاف الكورنيش بالطرق البدائية والجديدة من جميع الفئات والطبقات الاجتماعية. هنا تجد للضحكات مسمعا، حتى أضحى للصيادين جمهور غفير يتابعون ما يصطادونه من الأسماك.

المغتربون وجدوا أيضا في وسائل التواصل الإلكتروني فرصة لتوثيق حضورهم في العيد مع أهاليهم في بلدانهم عبر استخدام خاصية التواصل الهاتفي المجاني المعروف بـ "الواتس آب"، الذي يسمح بإرسال الصور الفورية ومقاطع الفيديو لمشتركيه، فأسرة الباكستاني عزيز الغفار كانت ترسل صورها إلى موطنهم الأصلي مدينة "لاهور" الشهيرة التي تعرف بأنها عاصمة إقليم البنجاب الباكستاني. في ضاحية أخرى من الجلسات العائلية كان الأهالي يستقبلون ويتصلون على أهاليهم بكلمة رئيسية تسمعها إذا ما مررت بتلك الجلسات "عيدكم مبارك"،إلى جانب حكايات"الكبار" عن كيفية قضاء عيدهم لأبنائهم وعوائلهم.

الشاي والقهوة ومعمول التمر هي "الضيافة الرئيسية" التي تستقبلك بها تلك الجلسات إذا استأذنت بعضهم للحديث معهم، وتستمر تلك الجلسات حتى الحادية عشرة ظهراً، وتعاود رجوعها للكورنيش في المساء.

وفي سياق متصل، أعلنت المنطقة التاريخية أو جدة القديمة عند الثالثة فجر أمس جاهزيتها رسمياً لإعادة ذكريات "أيام زمان" بكرنفال يحمل في طياته "ملاهي الشعبيات التقليدية"، وعند دخولنا للمنطقة عقب صلاة العيد مباشرة، شاهدنا جموع المقبلين "صغارا وكباراً" يأتون أفواجاً من كل حدب نحو "برحة العيدروس"، التي ما زالت تقاوم بموروثها الشعبي "حداثة العيد" من حيث صناعة ألعابها وطريقة تسيير تلك الألعاب.

هنا الأهازيج الشعبية تعلو "يا حلاوة العيد يا حلاوة.. من مال جديد يا حلاوة.. أشكال وألوان يا حلاوة.. جاكم العيد يا حبايب"، ممزوجة بضحكات الأطفال وسعادة الكبار ترسم عنواناً بارزاً في عيد "التاريخية" الذي تقبل عليه جميع الطبقات الاجتماعية، حتى إن سامر عبيد النهدي، وهو من سكان هذه المنطقة منذ 33 عاماً في ضاحية برحة الفلاح جاء بعد الصلاة مباشرة، مسترجعاً مع أبنائه "حلى ووائل ومحمد" ذكرياته، وأبى إلا أن يشارك أطفاله لعبة "الشقلبة التقليدية"، التي تعتمد على تحريك العاملين لها دون الاعتماد على وسائل التقنية الحديثة في تشغيلها، ويردد أهزوجة اللعبة وينافس فيها أطفاله الصغار.

الأسعار هنا رمزية تماماً والبليلة والبطاطس وغزل البنات وجبات رئيسية للجميع بين ثنايا "المراجيح الشعبية" التي تعد عنصر الجذب الرئيسي، وهي بشعبيتها منافس تقليدي قوي "للملاهي التقنية الحديثة".

إنه كرنفال شعبي متكامل يحوي كل شيء وهو ما يميزه عن غيره من المناطق الترفيهية الأخرى بجدة، ففي ناحية تجد ألعاب "الفرفيره" و"البلياردو" و"تنس الطاولة"، وفي ناحية أخرى الجمال وحصان السيسي المحبب لدى الأطفال، والألعاب الإلكترونية "البلاي ستيشن"، ناهيك عن الألعاب التقليدية الموجودة كـ "التدربة" و"الأعيقلية" و"الشبرية" و"ألعاب الصناديق" وجميعها مصنوعة من الخشب، وتستمر أوقات استقبال الناس حتى ما بعد منتصف الليل.

وكانت جموع المصلين في جدة قد أدت صلاة العيد في نحو 153 موقعا حددتها إدارة الأوقاف والمساجد لأداء صلاة العيد، وسط خطط أمنية وكثافة تواجد لدوريات ورجال المرور لتنظيم حركة دخول وخروج المركبات من وإلى المصليات. وبالرغم من أن يوم أمس كان أول أيام العيد، إلا أن مدينة جدة شهدت هدوءا نسبيا في الحركة بعد الساعة 11 صباحا، نظرا لحرارة الطقس، وتحويل جميع برامج الترفيه الثقافية إلى الفترة المسائية، لتعود الحركة إلى معدلات كبيرة ابتداء من عصر أمس، وخاصة في منطقة الكورنيش وقرب المدن الترفيهية.