أصبحت بعض المنشآت الصحية الخاصة أشهر من نار على علم؛ ليس بفضل إنجازاتها الطبية بل بسبب أخطائها، وتطالعنا وسائل الإعلام باستمرار بقضايا أخطاء طبية يكون ضحيتها المواطن الذي سلم نفسه "لسلخانات المنشآت الصحية" على حد تعبير الكثيرين، والنتيجة إما مفارقة الحياة أو الخروج بعاهة تلازمه طيلة حياته، فتكون الضحية أمام خيارين، إما الركض وراء جلسات الهيئات الصحية الشرعية، أو الاستسلام والسكوت عما حدث.

أخطاء فادحة

ومن قصص الأخطاء الطبية التي تحولت إلى قضية رأي عام قضية الدكتور طارق سلمان الجهني (34 عاما) وهو متزوج ولديه طفلتان (فرح وولاء) وكان يعمل رئيسا لقسم طب الأسنان بالمستشفى التخصصي بجدة. كان طارق يعاني من سمنة وبعد فشل كافة محاولات الرجيم وممارسة الرياضة قرر إجراء عملية جراحية للتخسيس تعرف بـ "تدبيس المعدة"، ووفقا لما ذكر شقيقه ثامر الجهني كانت السمنة التي يعاني منها طارق طبيعية، قام بعدة محاولات لتخفيف وزنه، من اتباع الرجيم وممارسة الرياضة لكن لم تنجح المحاولات، فدخل إلى المستشفى في تاريخ 24 نوفمبر 2009 لإجراء العملية، وقبل دخوله غرفة العمليات جلس مع أفراد أسرته ولم يشعر بالقلق أو الارتباك اعتقادا منه أن من سيجري العملية سيكون على قدر عال من المسؤولية ولم يكن يعتقد أنه سيقع ضحية خطأ طبي أدى في النهاية إلى وفاته.

وأضاف شقيق المتوفى "بعد أن أجرت طبيبة التخدير عملية التخدير دخل الجراح إلى الغرفة بعد 3 دقائق لتركيب أنبوبة تنفس، عندها دخل طارق في التهاب شعبي حاد، وأصبح يرتعش بشدة، مما دفع الأطباء لنقله إلى غرفة العناية الفائقة ودخل في غيبوبة، بعد فشل كافة المحاولات لإنقاذ طارق من الغيبوبة والتشنجات، نقلناه إلى مستشفى الملك فيصل التخصصي حيث كان يعاني من حالات تشنجات حادة وصرع، وأخبرنا الأطباء أن حالات التشنجات حدثت نتيجة انقطاع الأوكسجين عن دماغه، ولم تفلح كافة المحاولات لإنقاذ طارق حتى بعد إحضار طبيب من الولايات المتحدة على حساب الأسرة الخاص لإنقاذ حياته، لكن الطبيب أخبر أفراد الأسرة أن طارق توفي دماغيا نتيجة خطأ فادح وتوفي بعد 3 أيام من دخوله في غيبوبة".

غياب الترخيص

وكشف شقيق المتوفى أن المستشفى الخاص هو المتسبب الأول في حدوث الخطأ الطبي للدكتور طارق، وأقامت عائلته دعوى ضد المستشفى وبعد المحاكمة في الهيئة الصحية الشرعية اتضح للهيئة من خلال الجلسات أن طبيبة التخدير لا تملك ترخيصا لمزاولة المهنة، وكان هناك نقص في المعدات الطبية داخل المستشفى، ووجهت الاتهامات إلى خمسة أطباء في ارتكاب الخطأ، وانتهت الجلسات بالنطق بحكم من قبل الهيئة الصحية الشرعية يقضي بسجن طبيبة التخدير ورئيس قسمها لمدة ثلاثة أشهر لكل منهما، وإلزام المستشفى بدفع دية المتوفى 100 ألف ريال، إضافة إلى غرامات أخرى على المستشفى وصل معها المبلغ إلى مليون ريال وأغلقت القضية، على الرغم من أن أسرته تطالب بإعادة التحقيق في قضيته وأن الأحكام التي صدرت لا تكفي لمعاقبة المسؤولين عن وفاته".

غرف عمليات الموت

ولا تختلف قصة ماجد محمد سعد آل خويلد القرني (32 عاما) عن قصة الدكتور طارق، فقد توفي في نفس المستشفى، ووفقا لما ذكره ابن عم المتوفى محمد القرني فإن ماجد راجع المستشفى وهو يعاني من تجمع دموي بسيط في ظهره فطلبت منه إدارة المستشفى 50 ألف ريال ،وإجراء عملية جراحية له، وبعد دخوله غرفة العمليات خرج بعدها جثة هامدة، ثم هرب الطبيب الذي ارتكب هذا الخطأ الطبي إلى بلده رغم التوجيه الصادر لإدارة المستشفى بمنع الأطباء غير السعوديين من السفر حتى انتهاء التحقيق في القضية. وكانت زوجة المتوفى قد قضت هي الأخرى نتيجة خطأ طبي مماثل في عملية جراحية بالمعدة على يد طبيب سعودي في مستشفى حكومي، وقد خلفا طفلاً عمره أربع سنوات ونصف ولا يزال ذوو المتوفى يعانون من تأجيل الجلسات أمام الهيئة الصحية الشرعية وكثرتها، ويطالبون بإغلاق المستشفى لما ثبت من تعاونه في تهريب الجراح أو تسهيل تهريبه بعد العملية التي أودت بحياة ماجد، ولما ثبت من تكرار الأخطاء الطبية في المنشأة ثم تهريب مرتكب الخطأ، وتعاطيه مع حياة الإنسان ومشاعر ذويه بهذه الطريقة المهينة، ومعاقبة كل من سهل هروب الجراح مرتكب الخطأ وتقديمه للمحاكمة.

إبرة "فولتارين" تعيق شابا

ولم يتوقع الشاب (م.ش) أن يصاب بإعاقة في إحدى قدميه بعد تعرضه لخطأ طبي نتيجة حقنه بإبرة "فولتارين" إثر مراجعته مستشفى خاصا في جنوب جدة بعد تعرضه لوعكة صحية عادية.

وفي تفاصيل القضية التي تعرض على الهيئة الشرعية الطبية في جدة يقول الشاب (م.ش) في تصريح إلى "الوطن": شعرت بارتفاع في درجة الحرارة بجسمي مما دفعني لمراجعة أقرب مستشفى من منزلي في جنوب جدة، مشيرا إلى أنه دخل المستشفى لتلقي العلاج من أعراض صحية بسيطة تتمثل في ارتفاع بدرجة الحرارة والتهاب بمجرى التنفس، وبعد زيارة الطبيب وصف له عددا من العقاقير الطبية إلى جانب حقنة "فولتارين" لتخفيف الالتهابات الناتجة عن ارتفاع درجة الحرارة والتهاب مجرى التنفس. وأضاف "بعد دخولي غرفة الضماد حقنتني ممرضة "هندية الجنسية" بالفولتارين في العضل، فشعرت بعدها بألم شديد وبعد مرور عدة أيام فقدت الإحساس بقدمي، واتضح أن الحقنة تسببت في حدوث إعاقة في القدم نتيجة حقنها في منطقة العصب، مما دفعني لرفع شكوى على المستشفى الخاص الذي تسبب في حدوث هذه الإعاقة في قدمي اليسرى وفقدي الإحساس بها نتيجة تأثر أعصاب القدم بالحقنة.

وعلمت "الوطن" من رئيس الهيئة الصحية الشرعية بجدة الشيخ عبد الرحمن العجيري أنه خلال الجلسات المطولة التي عقدتها الهيئة الصحية الشرعية، اتضح من تقرير المستشفى أن الحقنة التي أخذها المدعي أدت لحدوث ضعف في القدم اليسرى ونسبة العجز 30%.

وأضاف الشيخ العجيري، أنه في حال التأكد من الخطأ الناجم عن الحقن الخاطئ يتحمل المدعى عليه الغرامة "الدية" بعد إثبات الخطأ عليه، وفي أغلب القضايا تفرض دية الإعاقة حسب التقرير الطبي، وهي تتراوح ما بين 50 ألف ريال و 100 ألف ريال.

الفاتورة أعلى من الدية

يري المحامي والمستشار القانوني أحمد سليم أن هناك حالات كثيرة تتعرض للأخطاء الطبية إلا أنها لا تلجأ لمقاضاة المستشفيات، وذلك بسبب اقتناعهم بعدم الوصول لنتيجة مرضية لأخذ حقهم الشرعي، وأضاف: قد يكون مبلغ فاتورة المستشفى الخاص المطالب به الأشخاص أعلى من قيمة الدية الشرعية التي قد تصدرها الهيئة الصحية الشرعية، مما يدفع العديد من المرضى للابتعاد عن أروقة الهيئات الصحية الشرعية.

وأكد أن من ضمن الأسباب التي قد لا تدفع المرضى لرفع قضايا أمام الهيئات الصحية الشرعية عدم الوعي من قبل المرضى بالأخطاء الطبية مما يوقعهم تحت نصب واحتيال المستشفيات الأهلية، كذلك قلة الشفافية من قبل المنشآت الصحية الخاصة والعامة.

وأوضح أن تأثير المرافعة والمحامين أمام الهيئة الصحية الشرعية في الغالب قليل، حيث لا يوجد هناك منطلق لتحليل أساس الخطأ الطبي أو تحليل وجهات النظر المخالفة.

مسؤولية وزارة الصحة

وأضاف أن معضلة وزارة الصحة في التركيز على علاج المرض دون معرفة أساس هذا المرض من الأسباب الرئيسية وراء انتشار الأخطاء، حيث إن وزارة الصحة تتعامل مع أعراض الأمراض لكن دون معرفة أسباب المرض لاقتلاع ذلك من جذوره وحتى لا يقع المريض تحت تأثير الخطأ الطبي.

من جهته حمل الجراح الدكتور عادل تركي وزارة الصحة ومجلس الضمان الصحي أسباب ارتكاب الأخطاء الطبية داخل المنشآت الصحية، مبررا ذلك بالعقبات التي تضعها في وجه القطاع الصحي الخاص، وتتمثل هذه العقبات في الروتين والشروط التي ليس لها أهمية أثناء الطلب في الحصول على تراخيص لمنشأة صحية، كذلك فرض التأمين الطبي على الأطباء في المستشفيات الخاصة حيث الأطباء لا يستطيعون العمل بحرية بالقطاع الخاص، فأصبحت شركات التأمين تستحوذ على المرضى، وإذا سمح للطبيب بالعمل لابد أن يخضع لشركات التأمين وشروطها التي تهدف في الأساس إلى استنزاف جيوب المرضى وعدم إعطاء الأطباء حقوقهم وهذا دفعهم لتقديم خدمات ناقصة أو بالشكل غير المطلوب. وأضاف التركي أن وزارة الصحة هيأت أجواء غير صحية للمرضى في القطاع الصحي الخاص بسبب تعقيد هذه المنشآت في التأمين الصحي وهي مشكلة ليس لها نهاية، حيث أصبحت مهنة الطب محتكرة في أيدي الضمان الصحي وشركات التأمين، مما تسبب في ارتفاع نسبة الأخطاء الطبية داخل المنشآت الخاصة، موضحا أن أسباب عدم رفع بعض المرضى شكاوى ضد المنشآت الصحية التي ترتكب في حقهم أخطاء طبية يعود إلى اقتناع البعض منهم بعدم الحصول على حقوقهم الشرعية ضد هذه المستشفيات.