-1-
إن التغيير في الحياة العامة من نظم وقوانين ونواميس لن يتم إلا إذا غيّر الانسان قناعاته وأفكاره ومنهاج حياته. والقرآن الكريم قال لنا: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). (الرعد: 11)، وكذلك قال لنا: (ذلك بأن الله لم يكن مغيّراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) (الأنفال: 53). وهما الآيتان اللتان لقيتا صداهما الإيجابي في الفكر الغربي، وأيّدهما كثير من فلاسفة الغرب وحكمائه.
فجاء ألفن توفلر Toffler الكاتب، والمفكر الأميركي، والعالم في مجال دراسات المستقبل، الذي تُرجمت كتبه إلى عدة لغات عالمية. وقام بتدريس رؤساء دول مثل: ميخائيل جورباتشوف رئيس الاتحاد السوفيتي الأخير، والرئيس الهندي أبو بكر زين العابدين، ورئيس وزراء ماليزيا السابق مهاتير محمد. وكان توفلر قد قام بمناقشة الثورة الرقمية، وثورة الاتصالات، وثورة الشركات والتميز التكنولوجي. وعمل مساعداً في تحرير مجلة الفورشن، وقال عن فلسفة التغيير: "مسؤولية التغيير تقع علينا".
وقال المفكر الأميركي الآخر جيمي ولز: "العالم لن يتغيّر ما لم نتغيّر نحن".
وقال الشاعر الإنجليزي أوسكار وايلد: "إن الذي يغيّر العصر هو نحن، وليست المبادئ".
وقال الفيلسوف الألماني لودفيج وتنجتشاين: "إن أهم ما في التغيير هو تغيير سلوكياتنا".
وقال الكاتب الأميركي هنري ثورو: "الأشياء حولنا لا تتغير، نحن الذين نتغيّر".
-2-
ويجب أن نلاحظ أن هناك تغييرين: التغيير الأصغر والتغيير الأكبر. التغيير الأصغر يبدأ حين تبدأ تزكية النفس البشرية؛ أي تطهيرها بالإيمان، وهذا هو التغيير الأصغر. وعندما تتطهر النفس، تصبح قابلة للتغيير الأكبر، وهو تغيير المجتمع كله.
يقول القرآن الكريم: (قد أفلح من زكّاها) (الشمس: 9).
ويقول القرآن الكريم كذلك: (قد أفلح من تزكّى) (الأعلى: 14).
والفلاح هنا، هو نجاح قيام التغيير الأكبر، الذي يتبع التغيير الأصغر، وهو التزكية.
والقرآن الكريم، يوجه كلماته إلى فرعون الذي طغى، ورفض دعوة التغيير. ويخاطبه بقوله: (هل لك إلى أن تزكّى، وأهديك إلى ربك فتخشى) (النازعات: 19،18)
وهذا يعني، أنه لا مجال لأن يُغيّر فرعون واقعه السيئ، ويهتدي، إلا إذا بدأ بنفسه فزكّاها. وهذا هو التغيير الأصغر، لكي ينتقل إلى التغيير الأكبر، وهو تغيير واقع مجتمعه السيئ.
-3-
ويجب أن ننتبه، إلى أن التغيير على الأرض، هو من صنع الإنسان ومن سعيه، ومن عمله، بالدرجة الأولى، تصديقاً وتأكيداً لقوله تعالى: (ذلك بأن الله لم يكن مغيّراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) (الأنفال: 53).
إن التغيير، هو طريق الرُّشد الذي نادى به الإسلام.
والرُّشد خلاف الغي؛ أي الاستقامة على طريق الحق. وهو هداية تغيير اليقينيات السابقة.
والإسلام أراد أن يقيم الرُّشد بالرُّشد؛ أي أن يُحدث التغيير السلمي العقلاني بالفكر والخطاب. لذا، فقد ركّز الإسلام على كلمة الرُّشد وذكرها في القرآن في أربع سور كريمة هي: "الأنعام"، "الشعراء"، "مريم"، و"فاطر".
-4-
ويرى كثير من علماء الاجتماع والاجتماع/السياسي في الشرق والغرب، أنه لا سبيل إلى التغيير الآن في العالم العربي، إلا بتبني الخطوات التالية:
1- إنتاج الفكر النقدي، الذي يساعد على الانتقال من القطعي إلى المبرهن عليه، ومن الْمُسلَّم به إلى المتناقش فيه، ومن القراءة العابرة للتاريخ إلى القراءة التاريخية للنص، لجعله في متناول العقل، ومتكيفاً مع متطلبات الحياة الاجتماعية المتجددة.
2- عدم سيطرة أفكار الأموات على حياة الأحياء ومصائرهم. لأن المثقف الحقيقي والأصيل – تعريفاً - مع الحداثة وضد القدامة، ومع العقل ضد القفل، ومع التجديد ضد التقليد، ومع الديموقراطية ضد التوتاليتارية، ومع حرية المرأة ضد استعبادها.
3- نبذ ثقافة العنف والإرهاب. وللعلم فهذه الثقافة لم تأتِ من أحد، بقدر ما جاءت من داخلنا نحن، ومن انتصار الاتّباع على الإبداع، وانتصار الرواية على الدراية، وانتصار الجهاد ضد الآخر على جهاد النفس العدوانية، وهو أجمل أنواع الجهاد.
لقد جاءتنا هذه الثقافة العنيفة، التي تقطر دماً من تقاليد الحروب، والمشاحنات القبلية والطائفية، وبطش السلطات الغاشمة قديماً وحديثاً.
جاءتنا من ردود فعلنا الهاذية على إحباطاتنا الفردية والجمعية، ومن جروحنا النرجسية، سواء منها المنحدرة من هزائمنا أمام الغرب وإسرائيل، أو الآتية من تربية أسرية قاسية، كما سبق، وقال المفكر التونسي العفيف الأخضر. والذي زاد من ضراوة هذه العوامل التراكمية، عدم وجود ديموقراطية تراكمية فيها، تؤسس لثقافة جديدة، قوامها الحوار والسلام، مثلما حصل في اليابان، بعد الحرب العالمية الثانية.
4- وأخيراً، فإن غياب الديموقراطية، جعل صداماتنا تتحالف مع موروثنا الثقافي، لصياغة شخصيتنا النفسية، صياغة ثأرية، حوّلت أخذ الثأر في سِلّمنا القيمي إلى قيمة اجتماعية. والتسامح والغفران والجنوح إلى السِلْم، إلى وصمة عار، وجبن، وخيانة. والانفتاح على العالم؛ أي على استثماراته وقيمه، تفريطاً في الهوية، واقترافاً لـ"أم الجرائم"، وهي التبعية للغرب.
نحن نعلم، أن كل هذا لن يتم، في يوم وليلة. وليس من السهل القيام به. ولكن علينا أن نبدأ، وإلا فستبقى صورتنا العربية في المرآة الغربية سوداء، ومرفوضة.