خطاب الرئيس باراك أوباما في مراسيم تنصيبه أدهش الكثير من الأشخاص داخل الولايات المتحدة وخارجها. قد لا يكون رئيس الولايات المتحدة زعيم العالم، لكن قيادته تعني وتؤثر على العالم لأن دور الولايات المتحدة يمتد بالتأكيد خارج حدودها بكثير.
يستغل الرؤساء الأميركيون عادة مراسيم التنصيب لرسم سياساتهم على مدى السنوات الأربع التالية على الصعيدين الداخلي والخارجي. وحيث إن السنوات الأربع القادمة تمثل الفترة الرئاسية الثانية للرئيس أوباما إذ لم يعد يستطيع الترشح للرئاسة بعدها، فإنه يحتاج أيضا إلى هذه الفترة الثانية والأخيرة ليترك بصمته وإرثه. إرثه كأول رئيس أميركي أفريقي سيكون هاما ومميزا، كما سيكون له تأثيره على الانتخابات القادمة.
كانت التوقعات أن يقوم الرئيس أوباما، في خطاب التنصيب، بتسمية بعض الدول التي ليس لها علاقات جيدة مع أميركا، مثل إيران وكوريا الشمالية، ويحدد موقف الإدارة منها خلال الفترة القادمة. لكن ذلك لم يحدث، حتى إن الرئيس أوباما لم يذكر هذه الدول مرة واحدة! هذه، في رأي كثير من المراقبين، طريقة ذكية معاصرة تناسب القرن الحادي والعشرين. خطاب أوباما كان سياسيا وقويا، لكنه كان مختلفا عن خطابات الرؤساء السابقين، وحتى عن خطابه منذ أربع سنوات.
عهد الهيمنة على الدول الأخرى وإذلالها قد ولى. هذه هي الرسالة التي أراد الرئيس أوباما أن يبعثها عندما قال عصر الحرب والمواجهة قد انتهى، وإننا نعيش الآن في عصر الدبلوماسية والحوار. مثل هذا الخطاب قد يجعل دولا مثل إيران وكوريا الشمالية تشعر بالراحة، لكن عدم ذكر أي من هذه الأنظمة ربما يعكس استخفاف أوباما بالأنظمة الدكتاتورية لدرجة أنها لا تستحق أن يذكرها في خطابه التاريخي الخاص.
لكن المشكلة أن زعماء هذه الدول يعيشون في عصر مختلف، ولذلك فإنهم على الأغلب لا يفهمون الرسالة بشكل صحيح. آية الله خامنئي وقادة الحرس الثوري الإيراني، الذين يتحدثون كل يوم عن استعداد إيران لسحق أعدائها والرد على أي تهديد، ربما يشعرون بالراحة بعد خطاب أوباما لأنه لم يذكر النظام الإيراني.
لهذا اعتبر بعض المسؤولين الإيرانيين أن الخطاب كان "مملا". ربما يقولون هذا لأنهم يقارنونه بخطاب جورج مثلا حين قال إن إيران والعراق وكوريا الشمالية تشكل "محور الشر". وحيث إنهم ليسوا معتادين على اللغة الديمقراطية لأنهم لا يخاطبون بها شعوبهم، فإن لغة خطاب أوباما الراقية والسلمية كانت بالنسبة لأنظمتهم المتخلفة "مملة".
لكن من الغباء الاعتقاد بأن هذه اللغة الناعمة تخفي وراءها مقاربات فارغة. الرئيس أوباما مصر على إغلاق العديد من الملفات قبل مغادرة البيت الأبيض في 2017. من أهم هذه الملفات البرنامج النووي الإيراني، الحرب في أفغانستان، والأزمة في سورية. بالنسبة لإيران، يتوقع مراقبون أن العقوبات الاقتصادية على إيران ستتصاعد وتزيد حدتها لدرجة تجعل القادة الإيرانيين يتمنون الحرب بدلا عنها. صحيح أن الرئيس أوباما لم يتحدث عن تغيير النظام في إيران، لكن تشديد العقوبات الاقتصادية عليها قد يؤدي ببساطة إلى تغيير هذا النظام.
من ناحية ثانية، صحيح أن كوريا الشمالية حصلت على القنبلة النووية، لكن ذلك كان على حساب الشعب الكوري الشمالي الذي يعاني من المجاعة والاضطهاد، ولا يستطيع أحد أن ينطق بكلمة انتقاد ضد النظام هناك. وليس واضحا حتى الآن فيما إذا كان هناك أمل في أن تصل رياح التغيير التي اجتاحت تونس ومصر واليمن إلى أبواب بيونج يانج بحيث يعود البلد لينضم إلى المجتمع الدولي.
بعد ستة أشهر تقريبا ستجري الانتخابات الرئاسية في إيران ويصل رئيس جديد وإدارة جديدة، ومع وصول هذه الإدارة الجديدة ستكون هناك سياسات جديدة تحتاج إلى تطبيق. فهل إيران مستعدة لتلبية ما يطالبها به المجتمع الدولي؟ وماذا عن دول أخرى مثل كوريا الشمالية وسورية؟ هل ستستطيع تغيير سلوكها بسلاسة واللحاق بالقرن الحادي والعشرين لتعطي انطباعا أفضل لشعوبها وللمجتمع الدولي؟ المشكلة هي أن هذه الدول، بأنظمتها الحالية، لا ترى أي ضرورة للتغيير.
إن المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية، ملتزم بإيجاد حل مناسب لكثير من الملفات، ومن بين أهم هذه الملفات الأزمة النووية الإيرانية وملف الصراع في سورية، سواء كان خطاب الرئيس باراك أوباما ناعما أم لا، ويجب عدم فهم وصول شخصيات معتدلة إلى مناصب رفيعة في الإدارة الأميركية، مثل جون كيري وتشوك هاجل، على أنه تراجع عن هذا الالتزام. المهمة المنوطة بالرجلين هي صنع السلام ودعم الديمقراطية. هناك مثل إيراني شهير ربما يلخص السياسة الخارجية الأميركية للفترة القادمة: "قطع الرأس بقطعة من القطن"! قد تكون السياسة الخارجية الأميركية القادمة ناعمة، لكنها بالتأكيد ستكون فعالة!