من دخل منكم وقد كون فكرة أنني سوف أهاجم المساجد أو أدخل في نقاش ديني، فليرتح، فليس هذا هدفي وليس هذا مجالي.. الذي أريد أن أركز عليه هنا هو الإنسان الذي يبني المساجد ويملؤها. نركز في خططنا التنموية على العمران وبناء الحجر، ونتقاعس عن بناء الإنسان.. نرتج غضبا حين يهدم مسجد من صنع المخلوق في مكان ما، ولا يرف لنا رمش ونحن نرى هدم الإنسان الذي هو من صنع الخالق. ومن بنى مسجدا يستطيع أن يبني ألف مسجد، ولكن إن قُتل إنسان فلا يستطيع مخلوق أن يعيد خلق الخالق سبحانه وتعالى. ونرعد ونزبد حين يحرق كتابنا المقدس، ونغمض أعيننا عن حرق شبابنا! ومرة أخرى أنا لا أستنكر محبتنا وتعلقنا بمساجدنا، وغضبنا حين تنتهك، أو لا سمح الله، لا نهتز لحرق كتابنا الكريم، ولكن الله سبحانه وتعالى وعد بحفظه، وهو خير الحافظين، فحين يحرقون كتابنا لن يستطيعوا الدخول إلى قلوبنا وذاكرتنا، وإن أحرقونا جميعا فلن يتم لهم القضاء على ما وعد الله بحفظه، ووعد الله حق.

نعود للإنسان الذي كرمه الله على جميع مخلوقاته، لنرى كيف نتعامل معه، على الأقل في التنمية، نضع خطط التعليم التي لا تتسق مع متطلبات العصر من مهارات فكرية وإدراكية وأدائية، نضع خطط توظيف ولا نخلق الوظائف، نسهم في الأعمال الخيرية في توزيع الغذاء والدواء، ونحتاج أن نصغي باهتمام كبير لمطالب المتلقين بعمل يؤمن لهم مستقبلهم ومستقبل أسرهم!

الشباب يصرخ، سواء كان ذلك عن طريق الخروج عن الأخلاق وتحدي المجتمع، أو من خلال عمليات التخريب والاعتداءات على الممتلكات العامة والخاصة، أو الانفصال عن واقعهم والانجرار خلف من يعدهم من أصحاب النفوس الدنيئة والمستغلة بالربح السريع عن طرق غير قانونية، أو الهروب إلى ما وراء عالم الواقع.

ماذا يريدون؟ سؤال قد يبدو غبيا لكثرة ما سُئل! وقد يكون كذلك لاختلاف نوعيات الشباب، منهم الطالب، ومنهم الموظف، ومنهم العاطل، ومنهم الفقير، ومنهم الغني، منهم المثقف ومنهم الجاهل، ومنهم الجاد ومنهم المستهتر.. بكل شرائحم هم أبناؤنا، وعليه سنسأل ونسأل إلى أن نجد الإجابة، والتي من دونها لن نستطيع أن نفعل لهم شيئا!.. ماذا يريدون؟ ما زلنا لا نعرف، لأن ما يجري على الساحة يفيد بأننا لم نصغ لهم ولمتطلباتهم، وأولها الأمن النفسي، وكيف يتحصلون عليه، من خلال تأمين العيش الكريم؛ وظيفة تحترم إنسانيتهم دون التعرض لما يمس كرامتهم من إهانات أو تعسفات إدراية لبعض المرؤوسين الذين يعتقدون أن من يعمل تحتهم هو ضمن ممتلكاتهم وليسوا بشرا، وسكن يسترهم، وأسعار لا تحرق جيوبهم، ودعم للسلع الأساسية من الغذاء والدواء، ومشافٍ تعيد الدماء إلى الوجوه دون أن تسحبها من الأوردة! ماذا سنخسر لو أننا فكرنا ولو قليلا ببناء مشاريع خيرية مثل مصانع صغيرة تؤمن وظائف ويذهب ريعها لبناء أو خلق وظائف أخرى؛ مشروع يجر تأسيس مشروع، مثل بناء سوق تؤجر مساحاته بمبالغ رمزية للشباب، أو شراء سيارات نقل لمن يرغب منهم بالمتاجرة بالخضراوات، يشتريها من المزارع ويعيد بيعها على الفنادق أو توزيعها في الأحياء الصغيرة أو البعيدة.. لماذا لا يقوم أهل الخير بصرف زكواتهم على مشاريع وقف للشباب؟ ينشرون في الإعلام المقروء والمرئي مسابقات عن أفضل المشاريع، وينتقون منها ما يناسب إمكاناتهم؟ نعم يستطيعون كل يوم أن يختاروا أرضا ويبنوا عليها مسجدا، ولكن أليس الأفضل أن تخصص هذه الأراضي لبناء مشاريع تساعد عشرات، بل آلاف الشباب، وعليه يسهمون في بناء الإنسان الذي سيعمر هذه المساجد! ليس هنا فقط بل حول العالم بإذن الله، فلدينا في كل حي عشرات المساجد، ولله والحمد، ولكن ما ينقصنا هو المشاريع التي تؤمن وتحمي رواد هذه المساجد، والنسبة الكبرى حسب الإحصاءات هي من الشباب.. مجرد أفكار، وما لدي ليس سوى نقطة في بحر مما لدى شبابنا من أفكار.

لماذا يجب أن يتكلف الشباب الصرف على الدورات التطويرية التي تسهم في جعلهم أكثر قابلية للتوظيف أو الترقي؟ أي حين يرغبون في تطوير قدراتهم أو تغيير مسار تخصصاتهم من أجل الحصول على وظيفة أو الارتقاء في السلم الوظيفي، أو تنمية مهارات البحث عن الوظيفة وخلق مجال عمل من لا شيء، يكون من خلال شبكات التواصل والإنترنت.. الأفكار كثيرة والقائمة طويلة، ولكن الأهم المكان وكيفية توصيل مثل هذه الخدمات إليهم في جميع المناطق.. في المدن والقرى وفي الهجر، وعليه لماذا لا تبنى معاهد تقدم مثل هذه الخدمات بأسعار رمزية، بل دون مقابل لمن ليست لديه القدرة على الدفع؟

وهنا أعود لنقطة البداية وأقول لأصحاب الأيادي البيضاء، ومن يهمه بناء مجتمعه ووطنه، لنركز على بناء الساجد فهو من سيعمر المساجد.