على أحد مقاطع الفيديو التي يحملها الـ"يوتيوب" يوميا عن السعودية، بعد أن تحول هذا الموقع إلى عالم من الشهادات التي تكشف عن واقع جديد، لكنه ليس واقعا سعيدا؛ يظهر مقطع فيديو لمجموعة من الشباب يقومون بإيقاف سيارات العمالة وإنزالهم منها وأخذ السيارة وممارسة التفحيط بها ثم إعادتها.

يحدث ذلك وسط تضاحك وصيحات المتجمهرين والمشجعين.. الآن جاء وقت "الولولة" التي نمارسها منذ سنوات كلما رأينا بعض الشباب يقوم بمثل هذه الممارسات، نتساءل قليلا عن السبب، نتحدث قليلا عن الفراغ.. ثم ندعو لهؤلاء الشباب بالهداية.. ونعلن براءتنا من أنهم لا يمثلون كل الشباب.. ثم نغفو لنستيقظ على حدث جديد ومقطع فيديو جديد.. وهكذا.

إذن نحن جزء من المشكلة. نحن؛ أي المجتمع والإعلام والتعليم والأنظمة الخاصة بالقوانين في الشارع، نحن الضبط الأمني والسلوكي، نحن الضبط التربوي والتعليمي، نحن الذين صنعنا كل ذلك وتسببنا في حدوثه بشكل غير مباشر، ومع ذلك نحن المشغولون بهجاء هؤلاء الشباب وتصرفاتهم.

لا يحظى الشاب السعودي غالبا بأية تربية مدنية.. المجتمع والأسرة والمدرسة تربي الطالب من خلال الوعظ وتلقين الصواب والخطأ.. نحن لا نغرس المبادئ في نفوسهم، لكننا نلقيها على مسامعهم، وهناك فرق واسع جدا بين الحالتين، أدى بنا إلى أن تربيتنا الدينية للنشء تقع في أخطاء المباشرة والوعظ، بل والتسطيح أحيانا، وابتعدنا عن القيم المدنية الراقية التي يحملها الإسلام، والقيم الروحية العالية التي تجعل من الفرد كائنا مستقلا ومدنيا ومنظما في ذاته وفي أفكاره، وبالتالي في تصرفاته.

منذ عشرات السنين ونحن نتحدث عن الفراغ وخطره على الشباب، حتى تحول هذا العنوان إلى مجرد عنوان سطحي في دروس التعبير، بينما لم يحدث شيء على الأرض.. نتحدث للشباب عن ضرورة ملء وقت الفراغ والانشغال بالطاعات.. هذا كلام مهم جدا، لكن باب الطاعات أوسع وأشمل مما نقوله للشباب.. إنه ملء للفراغ الروحي والمعنوي أولا، وبالتالي السعي لتطبيقه واقعا في السلوك وفي التعامل.

في هذا الكلام الذي أسوقه الآن، الكثير من الحشو السابق والتعبيرية الواضحة التي انتقدها لدى غيرها، لكنه مجرد دليل على أن موقفنا ونظرتنا وتناولنا لقضايا الشباب أصبحت نمطية ومكررة للغاية، إذن فلندع هذا جانبا، لأن السؤال الأبرز هو: ما الذي يجب أن نقوم به الآن لحماية الشباب من هذا الواقع.. وحماية المجتمع؟

أول خطوة هي أن نحاول جاهدين أن نتشارك مع الشباب في إدارة أوقاتهم، لأن جل ما يريدونه إنما باتوا يحققونه بأنفسهم، فما زلنا نتعامل مع رغباتهم بمنطق الوقار القديم الذي لا يعترف إلا بما يراه يستحق الاهتمام.. التفحيط مثلا بات هواية قاتلة، ما المانع من أن يتحول إلى هواية رياضية واضحة ومحددة تدار من قبل الأجهزة المتخصصة في إدارة مثل هذه الأنشطة؟ ما الذي يمنع وجود حلبات للتفحيط تتم إدارتها والإشراف عليها، كما هو حادث في كثير من بلدان العالم؟

القضية ليست في أن تمنع ما تراه ممنوعا.. القضية تكمن في تقنينه والإشراف عليه وتنظيمه، لأن الشباب لا يتخلون عما يريدونه لأنه ممنوع، بل يتجهون لابتكار ما يمكنهم من ممارسة هواياتهم. ولا يجدي معهم المنع، ولم تفلح معهم كل حملات التوعية السطحية التي ظلت لسنوات تحذرهم من التفحيط.

لدى الشباب في كثير من بلدان العالم ما يلبي خياراتهم، وليس ما يحدد لهم ماذا يختارون، لأن الاختيار جزء من الذات، وبالتالي فالتحدي الحقيقي يكمن في استيعاب واقع الشباب والتحولات التي يمرون بها والاقتناع بأن ضبطهم وتأديبهم ليس هو القضية الأولى.. القضية الحقيقية تكمن في استيعابهم وإدارة خياراتهم، والاشتراك معهم في تلبية ما يريدونه.

إن مؤسسات الدولة ليست معنية فقط بتحديد ما يجب على الشباب القيام به، بل بإدارة ما يرغبون القيام به.