المشهد المحزن للأطفال ضحايا النزاعات الأسرية، وهم تحت حراسة الشرطة من أجل إحضارهم وتسليمهم لأحد والديهم في مركز الشرطة، منظر كئيب يصعب احتماله، والمعاناة المؤلمة التي يتعرض لها هؤلاء الأطفال بفراق والديهم، وتشتتهم بين الأب والأم، ومعاناتهم النفسية والمعنوية ليست المعاناة الوحيدة، فالبعض منهم يجد نفسه ضحية بريئة لمعاناة مستمرة بسبب صراع مستمر بين الأب والأم لم يكن المتسبب فيه. كم هو صعب أن تتخيل منظر رجل الشرطة وهو يستلم الطفل من أحد والديه ويقوم بتسليمه للآخر، وكم هو مخجل منظر أحد الوالدين وهو لا يستطيع مشاهدة أولاده إلا تحت مراقبة أو في حضرة رجال الأمن.
النزاعات الأسرية تعد من أعقد النزاعات وأكثرها صعوبة، والتدخل في حياة الأسرة من أصعب المهام وأكثرها تعقيدا، إلا أن بعض الأسر تطلب مع الأسف تدخل رجال الشرطة، بعد أن تفشل جميع القنوات الأخرى. هذا النوع من المشكلات والخلافات الأسرية يحتاج إلى تضحية من الطرفين، وابتعاد عن عنجهية العناد والمكابرة اللذين يتسبب فيهما الكبار، ويذهب الصغار ضحية لتبعاتهما. الأب الذي يعتقد أنه يمتلك الحق في حرمان الأم من رؤية أطفالها ليس لديه حس إنساني، ويمكن اعتباره عاهة أخلاقية تشوه الصورة الإنسانية للأبوة، وكان يجب ألا يتزوج وليته عقيم ولم ينجب.
الأب والأم اللذان يتمتعان بالقدر المطلوب من الحكمة، يجب عليهما العمل على حل المشكلات بهدوء، وبعيدا عن تدخل جميع الأطراف الخارجية، ويجب أن يبذلان ما في وسعهما لتجنيب أطفالهما المحاكم وأقسام الشرطة، ويجب تقديم مصلحة الأطفال، وتقديم التضحيات والتنازلات، والتخلي عن العناد وتصفية الحسابات، ومن يصعد الموضوع من جانبه ويدفع به إلى دوائر خارجية مثل القضاء والشرطة، فهو لا يحب أبناءه ولا يستحقهم. الوعي والتضحية من أجل الأبناء كفيلان بإيجاد الحلول التوافقية بين الطرفين لهذا النوع من المشكلات، مع ضرورة التخلي عن تبعات المشكلات التي عاشها الزوج والزوجة قبل الطلاق. ونسيان العلاقة المتوترة بينهما وتقديم مصلحة الأطفال.
إذا فشل الرجل والمرأة في الزواج، فيجب ألا يفشلا في الطلاق، أو ما يمكن تسميته بالطلاق الناجح، ويقصد به أنه يجب على من لديهم أطفال، الاتفاق على مصير الأطفال، ويجب عليهم أن يكونوا متعاونين في هذا الجانب، وهو اتفاق أدبي وأخلاقي يلتزم به الطرفان، دون حاجة للمحاكم ورجال الشرطة.
هل يعلم من يصعد قضايا الأطفال للوصول الى المحاكم ومراكز الشرطة، أن هذا المنظر سوف يبقى عالقا في أذهانهم مدى الحياة، وسوف يتكون لديهم شعور بأنهم أطفال غير أسوياء، أو أنهم منبوذون، وهذا يقود إلى نقمة على والدهم أو والدتهم، وقد تمتد هذه النقمة لتصل إلى المجتمع، وتكون سببا للانحراف والجنوح للجريمة في وقت لاحق. ويعتقد بعض الآباء والأمهات أن الأطفال لا يهتمون كثيرا، أو أنهم غير مدركين لخطورة النزاعات المستمرة بين الآباء والأمهات، أو أنهم يتعاطفون مع أحدهم ضد الآخر، وجميع هذه الاعتقادات خاطئة، فالأطفال لديهم القدرة في الحكم على سلوك آبائهم وأمهاتهم، ويجدون أنفسهم في مأزق حقيقي يصعب التعبير عنه ويظهرون التعاطف المزيف، أو عدم المبالاة في بعض الأحيان، ويجب على الآباء والأمهات مراعاة ذلك.
حماية الأطفال من الأذى النفسي والعاطفي الذي يطالهم في أقسام الشرطة ضرورة بالغة ومسؤولية اجتماعية من الدرجة الأولى، وانطلاقا من هذا، فإنني اقترح أن تقوم جمعية مودة الخيرية بصفتها مهتمة بقضايا الطلاق وجمعية النهضة الخيرية بخبرتها الطويلة في العمل الخيري بضرورة أخذ زمام المبادرة، وتبني مبادرة تعرف باسم "الطلاق الناجح"، والسعي الفوري للإشراف على هذا الجانب الهام في حياة بعض الأسر السعودية، ومن خلال تهيئة مقرات مناسبة يشرف عليها اختصاصيون اجتماعيون؛ لاستضافة الآباء والأمهات لرؤية أطفالهم وتسليمهم للطرف الآخر بهدوء، على أن يتم ذلك بالتنسيق مع وزارة العدل وبمتابعة من الشرطة دون ضرورة لوجودهم.