قد لا يكون الوضوح كافيا عند تقدير الفروق الاجتماعية والاقتصادية التي أحرزتها مخاضات التغيير في اليمن؛ فالوضع الاقتصادي ما زال معقدا والبنى الاجتماعية ما برحت هي الأخرى على طبيعتها السابقة وتأثيراتها الاعتيادية على مؤسسات الدولة، وبين هذا وذاك تضرب الإعاقة أطنابها في صلب العملية السياسية بما تشكله من تقويض متواصل للسلام الاجتماعي والاستقرار الأمني.

غير أن اليمنيين يلتقون مع أشقائهم في العالمين العربي والإسلامي وتتطابق تقويماتهم مع وجهة نظر أصدقائهم من مختلف دول ومنظمات العالم فيما يشبه الإجماع على أن متغيرا مهماً شهدته اليمن – خلال عملية الانتقال السلمي للسلطة – ويمكن التعويل عليه في إحداث التغيير الجذري المتدرج، وبناء مؤسسات الدولة المدنية القادرة على ترجمة تطلعات الشعب وتقدم وأزهار الوطن، أعني أن ثمة لغة واحدة يمكن سماعها بصورة مكثفة عن مصداقية الرئيس عبد ربه منصور هادي كمنتج للتغيير بعد تجربة مريرة من المخاتلة دفعت البلاد ثمنها باهظا.

وبمقتضى مصداقية رأس النظام يستطيع العالم إقامة علاقات إيجابية متنامية مع الدولة اليمنية وسيكون بمقدوره الاطمئنان على أن صنعاء لم تعد تتذاكى على أحد في قضية الحرب على الإرهاب وأن شراكتها في مواجهة آفاته ودحر فلوله والحيلولة دون اتساع رقعته باتت أمرا مقضيا، وأن المتحدث باسم اليمنيين لم يعد يعتمد المناورة في إدارة مصالح البلاد ولا عند تمثيلها أمام الأشقاء والأصدقاء.

وفي تقديرنا أن أكثر خيبات رأس النظام السابق لم تكن ناجمة عن تراكم المظالم وتعدد المعضلات وتراجع معدلات النمو فهذه الأسباب مجتمعة أو فرادى لم توقف هتافات الناس له على امتداد عقدين من الزمن، لقد كان هذا شأن أكثر الضحايا ضررا!! وفي آخر انتخاباته الرئاسية سادت حالة ذهول إزاء الرئيس السابق وهو يحصد الأغلبية الساحقة من أصوات الناخبين في محافظة صعدة إثر حروب أكلت الأخضر واليابس.

وحتماً فإن الحاكم لا يكون بوسعه عمل شيء متى خسر مصداقيته! وعندما اندلعت شرارة الاحتجاجات 2011 كنت أحس برغبة الرئيس السابق في الاستجابة لمطالب الشعب.. نوع خطابه، لهجته، حرارة الكلمات التي يبعثها إلى ساحات الاحتجاج، عكست استعداده لتقديم القرابين الثمينة من بين أكثر المقربين منه حظوة ونفاذاً مقابل مهلة يقضيها على صهوة حصان عاثر.

لكن من أين له بحلم كهذا ومصداقيته ذهبت قبض ريح.

كل القوى السياسية والقبلية والعسكرية جربت التحالف معه وضحت بالتزاماتها أمام الشعب على سبيل المداهنة واتقاء لحظة صدق تحرمها من التعويضات التي يغدقها عقب تجاوزاته العلنية على من يعتقدهم مناوئين لسياساته.

واليوم فإن ما يجري الحديث عنه في أروقة مجلسي التعاون الخليجي والأمن الدولي وما يتم تداوله خارجهما عن العراقيل المعترضة طريق التسوية السياسية لا يعدو الاعترف بوجود حرب ضارية تستهدف مصداقية الرئيس هادي وجدية المجتمع الدولي إزاء قراراته التي يتم الالتفاف عليها حيناً وتعطيلها تارة والتلكؤ في تنفيذها طوراً آخر.

ولا غرو أن تراخي الأصدقاء في اتخاذ موقف صارم من المعوقين منذ الوهلة الأولى لصدور القرارات الرئاسية ذات الصلة بالشأن العسكري والأمني شجع على انتقال عدوى الإعاقة إلى الجانب المدني، وأغرى ماريشالات الثورة ضد صالح لاقتحام بوابة الإعاقة من أوسع أبوابها ومحاولة فرض شروط تحرج متخذ القرار أو بالأصح تطلب منه أن يكون رئيسا تحت طائلة التهديد و"منلوجات" الفعل الثوري الموصول بكرامات المشعوذين من العسكر!

سيناريوهات الإعاقة المزدوجة ربما دلت على توافقات غير معلنة بدحرجة الصخور أمام المبادرة الخليجية واستدارج الرئيس هادي للتعامل مع تناقضات تطهى في مطبخ واحد، وإن قال ظاهر الأمر شيئاً مغايراً!.

فمن جهة يرعى الرئيس السابق أكبر تظاهرة استعراضية للحوثيين قريباً من دار الرئاسة!! وهو بذلك يستفز متخذ القرار ويدفعه عنوة للشعور بحاجته الاضطرارية للجنرال علي محسن الأحمر، والأخير ربما يمارس نفس الاستفزاز ويمتنع عن تنفيذ قرارات الهيكلة بهدف دفع الرئيس هادي لإعادة قائد الحرس الجمهوري إلى المواجهة..! صحيح أن عمليات فصل التوائم أحرزت الشيء الكثير من النجاح لكنها في اليمن غير مجدية حتى وإن جرت تحت إشراف مجلسي التعاون الخليجي والأمن الدولي.

ومع هذا يلزمنا انتظار الساعات القليلة القادمة وما تسفر عنه مداولات مجلس الأمن حول تطورات الوضع في اليمن.

ننتظر وإلى جانبنا صف عريض من المتطلعين لقرارات مفصلية حاسمة في حق طرفي الصراع.

وإذا ما صح ذلك يمكن القول بأن البلاد ستأخذ فرصتها للتعافي.. أما إذا خاب الأمل وجاء الموقف الدولي مزيجا من الدبلوماسية والغموض أو صيغ بالطريقة التي تجعل منه حمال أوجه كما في منطق المتأولين فسيكون القادم قاتماً ولا ريب.