عندما طُبق ساهر هلل الكثيرون، وتخوف آخرون، فقال البعض إنه التطبيق الأول والأهم الذي سيحول المجتمع السعودي وجميع المقيمين إلى أناس مطبقين للقانون المروري بشكل يكفل تحول جموع السائقين إلى تكوين حضاري حقيقي، بينما قال آخرون إنها وسيلة جديدة للجباية وفرض غرامات على مواطن ومقيم أنهكتهما الفواتير والمطالبات ولم يعد يقدر على تحمل تزايد الضغوط المالية والحياتية.
من أكثر الأمور التي أستغربها وأستهجنها، هي أن يكون هناك تطبيق للقانون على جانب، ويكون بالمقابل إهمال وتجاهل كامل في تطبيقه على جانب آخر، أو تطبيقه على شخص بينما يحظى آخر على استثناء بسبب منه هو أو من يعرف، وهي ممارسات في حد ذاتها تحد ـ مهما طبقنا من قوانين ـ من أن نتحول فعليا إلى تجمعات إنسانية حضارية، فعدم العدل في تطبيق آليات العدل هي في حد ذاتها ظلم مبطن.
في كل صباح وفي طريقي للعمل أمر مجبرا من دوار ما يعرف بـ"دوار القاعدة" الواقع في آخر طريق الأحساء في العاصمة السعودية الرياض، وقد مرت المنطقة المحيطة لذلك الدوار بتحسينات في تخطيط المخارج والمداخل، وتحويله من دوار دون إشارات مرورية إلى تقاطع متعدد القنوات بهدف تسهيل انسياب الحركة في الطرق المحيطة.
في ناصية ذلك الدوار يتمركز عدد كبير من مطاعم الفول والكبدة، التي تعتاش على خدمة عسكريي القاعدة الجوية القريبة منها، فتقدم خدمات "الديليفري" لسيارات العملاء الذين لم يفيقوا بعد من نعاسهم، ولم يهتموا بصف السيارة بشكل نظامي لا يعيق حركة المرور في الطريق المزدحم بالمركبات وباختناق الإشارة المرورية.
منظر الازدحام يتكون من جموع كبيرة من سيارات صفت بجانب بعضها تنتظر الطلب أن يصلها، غير مبالية بالمخالفة المرورية وإعاقتها للسير. فلماذا تهتم ورجال المرور بـ"وناناتهم" لا يمرون من أمام تلك المطاعم صباحا، ويكتفون بجهد كاميراتهم التي تؤدي الدور عنهم في اصطياد المسرعين ومتجاوزي الإشارة ولوبسنتميتر!.
غياب رجال المرور في ذلك المكان، وفي وقت الصباح تحديدا يثير ألف تساؤل، ويجعلني أقرب للظن بأن هناك تجاهلا ممنهجا، يتيح لتلك المطاعم أن تسترزق بعيدا عن تطبيق قانون مروري يحد من تجارتهم لو طبق، وهو تماما التناقض الذي يحد من تحولنا إلى تجمع إنساني حضاري، فمثل هذه التناقضات ما بين التطبيق في جانب، وعدم التطبيق في جانب آخر لهي إثباتات بأننا بعيدون عن تطبيق العدل بمفهومه الحقيقي، فلكل نظام استثناء ولكل قانون أفراد لا يطبق عليهم، و"ليحيا ساهر".