كتب الدكتور عبدالله دحلان، تحت هذا العنوان مقالة مهمة يوم السبت الماضي 16 فبراير 2013 بسط فيها بعض الشواهد المتمثلة في وجود شبكات وأجهزة رسمية عالمية وحكومية أحيانا لتتبع حركات الناس، حتى أصبح الناس في بعض دول العالم، وحتى العالم الأول، "يعانون من حبس حرياتهم الشخصية نتيجة وجود كاميرات مراقبة في الشوارع ونتيجة التجسس المرئي والمسموع". وأشار الدكتور عبدالله بأن من يظن أن ما يضعه الناس في مواقع الاتصال المسموع والمرئي والمكتوب لا يتم اختراقه فهو واهم.. ووجه ثلاث رسائل ينصح فيها بكيفية التعامل مع هذا الوضع الجديد الذي أفرزته القرية الكونية التي نعيش فيها. الرسالة الأولى: الحذر من بسط الخصوصية في التقنية التي نستخدمها فلا خصوصية بعد اليوم. الرسالة الثانية: احترام حقوق الإنسان من قبل من يقتحمون خصوصيات الناس.. تلبية لدعوة ديننا إن تم ذلك من قبل مسلمين: "ولا تجسسوا". وتلبية للقيم التي تكرس احترام حقوق الإنسان إن تم ذلك من الآخر. الرسالة الثالثة: إلى من يهمه الأمر لتطمين الناس على خصوصياتهم.

والحقيقة أن مقال الدكتور دحلان قد لامس هاجسا يعاني منه الناس اليوم لاقتحام خصوصياتهم بجميع أشكالها. وقد لامس الحقيقة عندما قال: إن المعلومات الشخصية سواء كانت مالية أوعائلية أو وظيفية أو أي معلومات أخرى تتعلق بأي فرد، تعد من الحقوق الشخصية التي يجب عدم التعدي عليها أو كشفها إلا بواسطة طرق نظامية وموافقة الشخص نفسه. وهناك جوانب أخرى لاقتحام الحرية الشخصية.. فعلى سبيل المثال ومن إفرازات العولمة وسلبياتها كسبب أول، ومن إفرازات مجتمعنا الطيب "الفزّاع" وسلبيات "الفزعة" أن الحصول على معلومات شخصية أمر ميسور. فمثلا، من مصلحة المؤسسات المالية استطلاع أسماء أصحاب الأرصدة العالية بهدف التنافس عليهم، وأرقام الهواتف الشخصية يمكن الحصول عليها، وعدد أفراد عائلتك وأسماؤهم وأعمارهم لم تعد أمرا شخصيا. وإلى جانب ما ذكره الدكتور دحلان هناك جوانب أخرى لاقتحام الخصوصية تتمثل في ثلاثة أنواع: نوع يقوم به "الفزاعة"، وقد يكون هناك حسن نية من "الفزّاع" لكن مستقبلها والمستفيد منها لا يكونان كذلك. والنوع الثاني تُطلب فيه المعلومات من أجل هدف استثماري كمعرفة أصحاب الأرصدة العالية واستقطابهم من قبل المؤسسات المالية، وهنا لا تطلب المعلومة للإضرار بالشخص بقدر ما يكون هدفها كسبه كعميل مميز يستفاد منه عندما ينقل أرصدته لتلك المؤسسة التي طلبت معلوماته المالية الخاصة. والنوع الثالث يخص المتسلطين البارعين في التقنية، والذين يُطلق عليهم "الهاكرز". وفي كل الحالات يُعد الأمر مشكلة بالرغم من تفاوت الضرر الواقع على الأفراد الذين يتم التسلط على معلوماتهم الشخصية، وأسوؤها ذلك الذي تستخدم فيه المعلومات الشخصية للابتزاز.

وهنا نعيد طرح السؤال الوارد في عنوان المقال الذي عرضه مقال الدكتور عبدالله: أين حقوق الإنسان من حماية الحرية الشخصية؟ ونتبعه بالأسئلة الآتية: هل هناك مراقبة لنظام المعلومات في الجهات التي تملك معلومات شخصية عن أفراد المجتمع يمكن بواسطتها منع تسرب معلومات شخصية بطرق غير مشروعة؟ وهل هناك نظام في تلك الجهات يعاقب مسربي المعلومات؟ وهل هناك تطبيق فعلي لهذا النظام؟ هل يعرف منسوبو تلك الجهات كل ذلك؟ والسؤال العام هو: عندما يحدث هذا لأي فرد، هل يمكن مقاضاة الجهة التي سربت المعلومات وما هي العقوبة؟ الخوف من أن مسربي المعلومات آمنون مطمئنون. ومن يأمن العقوبة سيسيء التصرف. وهؤلاء يجب ألا يأمنوا ولا بد من تعليق الجرس. تستغرب عندما تصلك رسالة تحمل دعاية لمنتج ما، وتستغرب عندما تصلك مكالمة هاتفية تسمع من خلالها صوتا ناعما يروج لخدمة تجارية أو استثمارية. وبالرغم من أن الرسائل قد تكون عن طريق وضع أرقام بشكل عشوائي إلا أنه يُفترض ألا يتم عمل دعاية لأي منتج أو استثمار إلا بعد التأكد من كيفية الحصول على الأرقام، والتأكد من جودة المنتج حتى لا يتضاعف الضرر. وبالنسبة إلى الاتصال الرقمي فيبدو السؤال المنطقي: من الذي أعطى الأرقام والأسماء أصحاب الدعايات؟

وسواء تم الاختراق من منظمات أو هيئات أو أشخاص، فإنه اختراق غير أخلاقي للخصوصيات. هناك حالات ملحة لا بد من كشف بعض المعلومات الشخصية للشخص، تُطلب بعلمه أو تُطلب منه شخصيا ويقوم بإحضارها من الجهة التي تعطيها ويوصلها إلى الجهة التي تطلبها، كتلك المعلومات التي تطلبها السفارات عن الحالات المالية للأشخاص، إذ يصدر بذلك تقرير مالي لعدة أشهر بعلم الشخص نفسه، أو عندما يطلب الشخص بطاقات ائتمانية يقوم بتزويد الجهة المصدرة للبطاقات الائتمانية في غير البنك الذي يتعامل معه بمركزه المالي، لا غبار على المعلومات الشخصية التي تطلب عن الشخص بعلمه، لكن الشر في تلك التي تخرج عنه في ليل أظلم ولا يعرف حدود الاستفادة منها.

إذن هذه هي المشكلة.. ولنسأل عن الحل؟

مجتمعنا الطيب "الفزّاع" يجب أن يكون واعيا لمعرفة متى تكون "الفزعة" ومتى يجب ألا تكون. متى تكون خيرا وبردا وسلاما ومتى تكون شرا ووبالا. والوعي يجب أن يقترن بالعقاب "فإن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن". ويجب أن يوقف أحد هذين الرادعين مثل هؤلاء، وذلك للحد من شرهم الذي قد يعلمونه وقد لا يعلمونه. وأما مشكلة دأب بعض أو معظم أو كل المؤسسات المستفيدة من المعلومات الشخصية فإن ذلك يخضع للأخلاقيات، ثم لوجود مراقبة من قبل هيئات ومنظمات حقوق الإنسان لحفظ خصوصيات الناس.

الدكتور دحلان أثار موضوع الخصوصية الشخصية التي تتعرض للانتهاك الذي يجب أن يتوقف، فالواضح أن هناك ممارسات يتم بها كشف معلومات شخصية عن الناس، ولم نسمع عن تطبيق أي عقوبة، فمن المسؤول عن حماية معلومات الناس الشخصية؟ اقتحام خصوصيات الناس فيه أذى كبير، ويتم فيه في أحايين كثيرة ابتزاز الناس وانتهاك أعراضهم.. وفي أحايين أكثر يتم حبس حرياتهم.. وهذا فيه تجاوز على حقوق الإنسان التي كفلها الدين وكفلتها القيم وكفلها النظام. وهل يجب الانتظار حتى وقوع كوارث إنسانية واجتماعية ثم نبدأ بالبحث عن الحلول؟ خصوصيات الناس وأعراضهم أمانة ولا بد من وجود من يحفظها، ويعاقب غير المؤدين لها على الوجه المطلوب. وهنا أضم صوتي لصوت الكاتب الكريم وأسأل: أين حفظ الحرية الشخصية للإنسان؟.