هل قَدَرُ الكثير من الشعوب العربية أن يموت نصف الشعب كي يتخلصوا من فرد جبار وطاغية! هل قدر تلك الشعوب أنها في أقل من ربع قرن خسرت مئات الألوف وربما ملايين الأشخاص في حروب واضطرابات كلها كانت جراء تهوّر وجنون أفراد وحسب! أين عقول أولئك الأشخاص الذين يموتون ليس إلا ليفرح مجنون ويُسَرّ!

كلما رأيت الدمار والدماء والوحشية التي تحصل في سورية هذه الأيام؛ خالجني الأسى على ماذا كل هذا القتل؟ ولمصلحة من؟

سيكتب التاريخ تلك الوحشية التي ربما يندر في التاريخ ذكر مثيل لها! ولن تغفر شعوب العالم ذلك التحريض والمشاركة في القتل من دول كإيران أو حزبٍ كحزب الله!

ومن خلال قراءة الاستراتيجية السياسية التي انتهجها حزب البعث السوري في العقد الأخير (خاصة بعد غزو أمريكا للعراق)، ومن خلال الإصرار على النهج الطائفي؛ نجد أنهم اكتشفوا أنهم أقليّة لا تملك المؤهلات - من حيث العدد - في عصر الانفتاح الإعلامي، كما أنهم لا يملكون الأيديولوجيا القادرة على الاستمرار والثبات، ولذلك لجؤوا إلى الحل من خلال آليتين؛ الأولى البحث عن أيديولوجيا قادرة على الاستمرار (وهذا ما يفتقده الحزب آنذاك)، والثانية البحث عن حلفاء يمكن الوثوق بهم والاعتماد عليهم.

وهذا ما حصل؛ حيث ارتمى البعثيون في أحضان إيران، وفتحوا لها الباب حتى في نشر الفكر الديني الإيراني داخل البلد، وأصبحوا في خندق واحد. وكذلك نجح الدكتاتور الفرد في إقناع بعض سفهاء طائفته أنه هو مصيرهم ويجب أن يصطفوا خلفه حتى لو كلفهم ذلك دمار البلد!

ولو أردنا وصف المشهد في حقيقته لقلنا؛ يموت الشعب الإيراني من الجوع لأجل زمرة منتفعة، ثم يموت السوريون لأجل فرد منتفع من تلك الزمرة الإيرانية، ويتقاتل اللبنانيون لأجل تلك الزمرة عابرة الحدود، وأخيرا يتمزق العراق ويتقاتل أهله لأجل زمرة أخرى منتفعة من زمرة إيران! ألا قاتل الله السفهاء الذين يرمون أنفسهم ومصيرهم بيد تلك الزُّمَر وينسون أهلهم وبلدهم وشرفهم!

ولكن ذلك المشهد لم ينحصر في ذلك الجانب من الشاشة! بل ما أكثر الطغاة وإن تعددت أشكالهم وألوانهم. لننقل الصورة إلى أفغانستان مثلا، ونعيد قراءة المشهد هناك في فترة حكم طالبان - مع انتقادي الشديد لطريقة حكمهم وفهمهم للإسلام - وكيف أن حفنة من الشباب المتهور ورّط البلد كله في حرب لا قوامَ لهم بها، وعرّضوا البلد للقصف والاحتلال! ونجد كيف أن أولئك الأتباع يقتلون أنفسهم باسم الدين على فهم فلان وعلان! ولسان حالهم يقول نحن على حق وليذهب الشعب والبلد إلى الجحيم! وفي نظري هو المشهد ذاته؛ بسطاء يُقتلون ومنتفعون يقودون ويُخططون! وما أجمل الكلمات التي خرجت من الشيخ الخلوق عبدالعزيز الفوزان مؤخرا عندما انتقد القاعدة وأشباهها بكل قوة.

وهذا يحصل حتى لبعض الرموز الدينية أو السياسية، عندما يحاولون استثارة الناس ليقفوا في صفهم، ولو كانوا على خطأ، بالرغم من أنهم قد يتسببون في زعزعة استقرار بلد، وربما خسارة الكثير من الدماء، ولكن كأن شعارهم الحق أنا وليمت الناس والبلد مع الحق!

رضي الله عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان عندما منع الصحابة من قتال الخوارج الذين جاؤوا لقتله، حيث لم يُرد أن يقتل مسلم بسببه! ولكنه الإيمان والتجرد الخالص رضي الله عنه وأرضاه، عندما يضحي بنفسه لمصلحة الناس، وعَكَسَ المشهد حيث نرى رأس الهرم يموت لأجل الناس وحفظ دمائهم!

القصة تتكرر ولو بدرجة أقل عندما يحاول حزب سياسي أو جماعة استئثارهم بمقدرات البلد ولو كلف ذلك ضياعه! ومهما كانت نياتهم صالحة فلن يغفر الناس ولا التاريخ لهم هذه المواقف! وحتى لو راجع أولئك أنفسهم قليلا لوجدوا أن تضحيتهم وتنازلهم لمصلحة البلد قد تقيهم الكثير من الشرور المستقبلية.

أعود وأقول لو سألنا كل طاغية بعد أن دارت عليه الدوائر، ماذا لو أنك حفظت نفسك ونجوت ونجا البلد منك؟ متأكد أنه سيبكي دما حسرةً وندامةً لأنه لم يفعل! لماذا لا يعتبر أولئك المتجبّرون من مصارع الطغاة الذين رأوهم ولم يجف دمُهم بعد! ولكنها سنة الحياة مع الطغاة والسفهاء!

أقسم الله تعالى في كتابه الكريم بالنفس اللّوامة، وهي التي تلوم نفسها وتحاسبها دائما، وما أعظمه من مبدأ أن يحاسب الإنسان /الشيخ /الزعيم /الحزب أنفسَهم ويراجعوا مسيرتهم أهي صائبة أم خاطئة، وكم من مراجعة وتصحيح خيرٌ ألف مرة من الاستمرار على الخطأ أو حتى الاستمرار فيما قد يكون حقّا في أصله ولكنه يقود إلى مفسدة أعظم بتجاهل الظروف والأحوال المحيطة!

ونحن في هذه البلاد ننعم بكثير من الأمن والخيرات، أسأل الله أن يديم علينا أمنه وخيره وأن يقينا شرر النيران من حولنا، وأن يمنع عنا السفهاء والطغاة، اللهم آمين.