بمناسبة تمديد مشروع الملك عبدالله للابتعاث، ندعو الله لقائد هذه البلاد بطول العمر، وأن يلهمه الصواب وأن يوفقه إلى كل ما فيه خير البلاد والعباد.. ونوصل التقدير لوزير العليم العالي ومساعديه على مستوى الوزارة والملحقيات على جهودهم الرائعة في خدمة المبتعثين والمبتعثات، على الرغم من ارتفاع الأعداد عاما بعد آخر.. وقد وقفت على تلك الجهود في عدد من كبريات الملحقيات مثل ملحقيات أميركا وبريطانيا وكندا والنمسا، وهي جهود تكشف بعمق حجم ونوع الخدمات والأبواب المفتوحة للملحقين لاستقبال الطلاب والطالبات ولهم في وزيرهم أسوة حسنة.. هذه شهادة وقفت عليها.. ومن حقهم الإشادة بها من مبدأ إعطاء الحقوق لأهلها واستمرار تلك الجهود الموفقة خلال المرحلة القادمة الثالثة التي تم إقرارها لمدة خمس سنوات.قادمة..وهذه الجهود سيكون لها أثر كبير على أبنائنا وبناتنا وإخواننا وأخواتنا المبتعثين والمبتعثات.. مشروع الملك عبدالله للابتعاث الذي أقرته الدولة وتم تمديده لثلاث مراحل لا شك أنه أقر بناء على حيثيات مؤداها خدمة الوطن والارتقاء ببرامج التنمية التي يعتبر الإنسان أول مقوماتها..بل العنصر الأساس فيها.. فالتنمية تنطلق من الإنسان وتهدف لخدمته وتعود إليه.. وما لم يكن هناك اهتمام بالفرد وتعليمه وتدريبه على أعلى المستويات فلن يكون هناك تنمية.. والإنسان هو أغلى وأنفس ثروة في البلاد.. وهو الثروة التي لا تنضب.. والاهتمام به على هذا المستوى جهد موفق سيكون له مردوده بإذن الله على الوطن عندما يتسنم هؤلاء المؤهلون في جامعات مشهود لها بالتميز مواقعهم في ميدان العمل والإنجاز في وطنهم في وقت العالم يعيش فيه في منافسات شرسة وقوية.
العصر الذي نعيشه فيه تحديات نوعية تحتاج تأهيلاً نوعياًً وتحتاج أن يكون لنا خبرات وتجارب ومؤهلات ومهارات لا تقل عن أفضل ما هو موجود في الدول المتقدمة.. والتجارب التي يعود بها أبناء الوطن من رحلاتهم العلمية في هذا المشروع الموفق بإذن الله سوف يذكره التاريخ بكل تقدير.. وسوف تقدره الأجيال القادمة التي عملت الأيادي الأمينة على تعليمها وتدريبها وتأهيلها في أفضل مؤسسات ممكنة لمستوياتهم.. وبرنامج خادم الحرمين الشريفين الذي تشرف عليه وزارة التعليم العالي بكل اقتدار يهدف إلى اختيار الكفاءات السعودية المؤهلة وإرسالها إلى الجامعات في مختلف دول العالم، لاكتساب الخبرات والثقافات، وبناء كوادر سعودية مؤهلة ومحترفة في بيئة العمل.
لقد تجاوز عدد المبتعثين الـ130 ألف مبتعث في مختلف جامعات العالم.. وقد قلت في مقالة سابقة إن هذا يخولنا إطلاق تسمية "جامعة المبتعثين" على برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي.. هذا البرنامج الطموح يجيء مواكباً لعصر القرية الكونية الذي نعيشه.
العلم أساس نهضة الأمم. والاستثمار في تأهيل الإنسان وتعليمه وتدريبه هو أفضل استثمار.. والمشروع خطوة كبيرة ومهمة وتاريخية سيكون لها أثر كبير في مد القطاعين الحكومي والأهلي بكفاءات مميزة تعمل على الارتقاء ببلادنا، لأن المنافسة في سوق العمل العالمي تحدٍ كبير، وإذا لم يكن لدى أي دولة أفراد مؤهلون ومدربون سوف لن تستطيع أي دولة المنافسة في سوق العمل العالمي، وسوف لن يرحم التاريخ الكسالى والمتهاونين والمقصرين الذين لا يعيشون عصرهم ، والذين لا يدركون أهمية المرحلة ومتطلباتها، والذين يضعون العوائق والمشكلات والمثبطات في طريق أي عمل أو برنامج أو مشروع جديد.
عالمنا اليوم عالم شرس، عالم متبدل ومتلون ومتقلب.. لا بد أن نعرف متطلباته ومشكلاته في الوقت المناسب وإلا سيبقى التخلف هو السمة البارزة، والأهم من ذلك أن نعرف أن لكل مشروع جديد مشكلاته وعوائقه.. فالتطوير هو تحد كبير. لا بد من اليقظة الكاملة فيه، فهناك تحدي تنفيذ هذا المشروع وهناك تحدي المستهدفين فيه، وهناك تحدي الملاحظين عليه، وهناك تحدي الاستمرار فيه، وهناك تحدي الاستفادة منه.. ولا بد من معرفة سمة كل تحد والعمل على علاجها بحكمة وروية.. والحكمة والروية تقتضي أن نعرف أولا أن هناك مراحل لاجتياز التحدي.. وسوف يُرى هذا المردود في المستقبل القريب إن شاء الله.
أثناء مشاهداتي عرفت أن جامعاتنا ومؤسساتنا تقترب من المبتعثين لاصطفائهم للعمل فيها .. وهي خطوة ممتازة .. تستعجل استثمار هذا المشروع..أما وقد قلنا ذلك بكل موضوعية وتجرد فإننا أولاً ندعو الله للقائمين عليه بالتوفيق وسداد الخطى، لمواصلة العمل على مواجهة التحديات والنجاحات.. وثانياً نقول لزملائنا في هذا البرنامج إن هناك ثغرة لا بد من رفعها إلى طاولة التفكير والنقاش، وهي أن في نظام كثير من البرامج، وحتى في الدراسات الاجتماعية؛ يتاح للطلاب أثناء دراستهم الجامعية في تلك الجامعات التدريب لمدة فصل أو فصلين في مؤسسات المدن التي يدرسون فيها أو قريبة منها، ليقترن التأهل العلمي بالتدريب العملي، حتى إذا ما تخرج الطالب تكون لديه خبرة عملية في المجال الذي درس فيه.
طلابنا لا يلتحقون بهذه البرامج ربما بسبب فترة الابتعاث التي لا تسمح لهم بذلك، وقد يكون الحل في "ما لا يدرك كله لا يترك جله"؛ فبدلاً من التدريب لمدة عام قد يختصر لفصل دراسي واحد. أقول ذلك لأن بعض الذين يعودون يجدون صعوبة في الحصول على وظيفة بالسرعة التي يتوقعونها، ربما بسبب تدني أو عدم وجود الخبرة العملية. وقد يكون في تخصيص فصل دراسي واحد يلحق فيه الطالب بمؤسسة في مجال تخصصه أثناء الدراسة اطلاع الدارس بشكل عملي على مجال عمل تخصصه، الأمر الذي قد يسهل عليه اجتياز اختبار الحصول على الوظيفة في المؤسسة التي يتقدم للعمل فيها بعد عودته إلى الوطن.
لا شك أن ذلك يضيف عبئاً مالياً وإداريا على وزارة التعليم العالي، لكنه أولاً يتيح الفرص للمبتعثين للاطلاع على برنامج تدريب عالي المستوى، والحصول على خبرة عملية متميزة، ثم إنه قد يقضي على خوفنا من صعوبة حصول مبتعثينا على الوظائف بعد عودتهم. صحيح أن وزارة التعليم العالي غير معنية بالتوظيف، وأن مهامها تنتهي بتنفيذ هذا البرنامج والحرص على نجاحه.. لكنها قد تساهم بذلك في تسهيل مهام زملائهم في وزارة العمل تحديداً ثم وزارة الخدمة المدنية. هذا بلا شك لا يقلل من الجهود المبذولة في مشروع الابتعاث، لكنه يضيف إليه ميزة يتطلبها.