كثيرا ما نسمع في مجالسنا وفي اجتماعاتنا أن جيل اليوم يختلف تماماً عن الجيل الذي سبقه في العديد من الجوانب، وهذا الاختلاف بحاجة إلى وقفة جادة من جميع أفراد المجتمع، بل هذا الموضوع جدير بالدراسة والتقصي من ذوي الاختصاص سواء في علم الاجتماع أو من علماء النفس الاجتماعي، وتحليله من كافة جوانبه، وتقديم الحلول المناسبة له، فالجيل السابق يمتلك العديد من المهارات الحياتية التي لا يمتلكها جيل اليوم بحكم ممارسته لها في الواقع، ولن يمتلكها إلا فئة قليلة جدا من جيل اليوم.

جيل الأمس لم يتمتع بمراحل الطفولة المختلفة، بل مر بمرحلة الطفولة المبكرة جدا التي يسميها عالم النفس "بياجيه" المرحلة الحس- حركية التي تمتد من الولادة حتى سنتين من العمر، كما مر بالمرحلة الثانية التي أطلق عليها مرحلة ما قبل العمليات وتمتد إلى سبع سنوات من العمـر، وبعدهـا يدخـل تأثير البيئة الاجتماعية وطبيعة الحياة في ذلك الوقت، ويجعل الطفـل يقفز إلى مرحلة دمج بين المرحلة الثالثة (مرحلة العمليات) والرابعة (مرحلة العمليات المجردة) من مراحل النمو المعرفي عند "بياجيـه"

. وهنا أعتقد أن الجيل الأول قفز بدرجة كبيرة من مرحلة الطفولة المبكرة إلى مرحلة النضج المبكر، فتجد الطفل يتحمل مسؤوليات ومهاماً كما يتحملها الرجل الكبير، ويتصرف بمستوى عال من النضج، فكان يستقبل الضيوف ويرحب بهم، ويساعد أسرتـه في تأمين متطلباتها.. وكان يعمل في الزراعة، ويساعد الآخرين من مبدأ التعاون، أو يعمل بمقابل أجر يسير بهدف مساعدة أسرته، فهو بذلك لم يمر بمراحل الطفولة جميعها، ولم يستمتع بها، بل كانت حياته مملؤة بالأعمال والمسؤوليات، والكد والنكد، وكان أغلبهم - إن لم يكن جميعهم - يتصف بالجدية، وكان الأهل يعتمدون عليهم بدرجة كبيرة في إنجاز الكثير من الأعمال وهم أطفال، ويتعاملون معهم وكأنهم كبار، وكل ذلك نتيجة لأن المجتمع كان له تأثير قوي على تربيتهم، وكانت الظروف المحيطة بهم تتطلب ذلك، ولذلك جاء هذا الجيل مختلفا تماماً عن جيل اليوم، فنجد أن جيل الأمس حريـص، ويمكن أن توكل إليه كثـيرا من الأمور، وينجزها بدرجـة عالية من الدقة وهو في عمر صغير جداً، وله مشاركات كـبيرة في المجتمع، بل يتعامل مع كثير من المواقف كما يتعامل معها الشخص الكبير وبنوع من الحكمة وحسن التصرف، ويحسب حساب كثير من الأمور حتى في كـلامه؛ حيث نجد كلامه موزونا ودقيقا.

أما جيل اليوم فقد عاش جميع مراحل الطفـولة بشـكل واضح، فيمر أفراد هذا الجيل بجميع هذه المراحل، ويستمتع بهـا بشكل كبير بعد أن عاشها بأدق تفاصيلها، ولم يعانِ مثل جيل الأمس، فكثير من أفراد هذا الجـيل مر بمرحـلة الطفولة وتحقق له ما يريده، ولم يتعب أفـراد هـذا الجيل مقارنة بجـيل الأمـس، ولم يكلفون بمسؤوليات في المراحل العمرية الأولى، لذلك أصبح كثير من أفراده يتكل على الغـير، ولم يكتسب العديد من المهارات الحياتيـة والاجتماعية، ونظرا لتوافر وسائل التقنية الحديثة وتـعدد وسائل التواصل الاجتماعي وتنوعها أصبح معزولا عن المجتمع الذي يعيش فيه حـتى على مسـتوى المجتمع الأسري، وأصبح الحوار بين أفراد الأسرة الواحدة محدودا أو معـدوما، ولا يتـم الاجتمـاع والتحـاور أو حـتى المناقـشة على مسـتوى اليـوم الواحد في أثناء تناول أي وجبة لأنهم لا يجتـمعون على مـائدة واحدة، فجيل اليوم يفضل الأكـل الخـارجي من المطـاعم، وهـذه مشـكلة كبيرة، ويعاني منها أغلب أفراد هذا الجيل، وجعلت الكثير منهم لا يدرك ما حوله ولا يتحمل المسؤولية، بل لا يشعر أنه مسؤول عن أي شيء في مجتمعه، لذلك لا نعتب على أفراد هذا الجيل كثيرا لأننا نحن جزء من المشكلة، ولم نكن جزءا من الحل مع أننا بالإمكان أن نكون جزءا أساسيا من الحل، وعلينا مسؤوليات عديدة تجاههم، وهنا لا بد من توجيههم ومساعدتهم وإرشادهم، والاستماع لهم، لأننا إذا تـخلينا عنهم فسيستقبلهم أفراد آخرون في المجتمع ينتظرون هذه الفرصة، ويعملون على استغلالهم بشكل خطير جداً، وهنا أوجـه رسالة لكل فرد في المجتمع أن يساعد جيل اليوم ليكونو أفردا ناجحين ومنتجين ومسؤولين، وألا نتركهم يتصرفون وحدهم، وهم قد لا يحـسنون التـصرف، وقد يستوعبهم آخرون غير مرغوب فيهم. وهنا أرى أن يترك جيل الـيوم يستمتع بمراحـل طفـولته المخـتلفة لكن في المقابل نقدم لهم المسـاعدة التي يحتاجـونها، ولا نتركـهم وحدهم. وفق الله جيل الأمـس وعوضهم في طفولتهـم، وحفـظ الله جـيل اليـوم وأعانـهم على أنفسهم.