تعتبر الشخصية السايكوباثية Psychopath من أكثر الشخصيات تعقيدا وأصعبها تشخيصيا وتعرفا على صاحبها، والسبب يكمن في أن الشخص السايكوباثي يجيد التمثيل وله قدرة فائقة في التأثير على الآخرين، بل والتلاعب بأفكارهم، وبالرغم من أن السايكوباثي لا يظهر أعراض المرض العقلي لأنه غالبا لا يعاني منه إلا أن سلوكه الاجتماعي لا يقل خطورة عن أسوأ الأمراض العقلية الأخرى، حيث إن سوء تكيفه الاجتماعي يعكس اضطرابا عميقا في الشخصية، ولذلك تعد السايكوباثية من المشكلات الاجتماعية والنفسية والتربوية معا لما تتركه من آثار سيئة على الفرد والمجتمع ولما تهدره من الصحة النفسية لكل من يقع في دائرة تأثير السايكوباثي، إضافة للهدر الكبير في رأس المال البشري. وتوضح الإحصاءات العلمية أن 1% من سكان العالم يحملون الجينات الوراثية التي تؤدي إلى مرض السايكوباثية، ولكن هذه النسبة ترتفع لتصل إلى 4% في القيادات الاجتماعية نظراً لأنانيتهم المفرطة وطموحاتهم العالية التي تحطم العقبات بل والصداقات في سبيل الوصول إلى الغايات، كما تشير الدراسات إلى أن نسبة الإصابة بالسيكوباثية بين الرجال تعادل عشرة أضعاف ما هي عليه عند النساء. ومن الخصائص العامة والملامح الرئيسة للشخصية السايكوباثية القدرة الفائقة في التأثير على الآخرين بعذوبة كلامهم وكثرة وعودهم التي غالباً لا يوفون بها، وبلطفهم الزائد وقدرتهم على استيعاب كل من يتعامل معهم بشهامتهم الظاهرية المؤقتة ووعودهم البراقة، ولكن من يتعامل معهم عن قرب ولفترة كافية سيكتشف حقيقتهم، وعندما نسأل أقرب الناس إليهم يصدمنا التباين بين صورتهم الظاهرية التي يراها الناس وبين حقيقتهم التي لا يراها إلا المقربون منهم وبالأخص أفراد أسرهم، وصورتهم الحقيقية مفعمة بالاضطراب وتجارب الفشل الكثيرة، إضافة للتخبط والأفعال التي لا تنسجم مع ما يدعون إليه من أخلاقيات. يمتاز السايكوباثي أيضا باستغلاله للمرأة بكل صور الاستغلال الجسدي والمادي إن استطاع لذلك سبيلا، لكن هذا الوجه لا يكون بيناً إلا لأقرب الناس إليه وغالبا ما تكون الزوجة. ونظرا لجاذبيتهم وعذوبة كلامهم ووعودهم الكثيرة فإنه يصعب للبعيد تصور هذا الوجه الآخر لمريض السايكوباث. السايكوباث ينافق ليصل ويعيش في هذه الدنيا بمنطق (أنا ومن بعدي الطوفان). يحب نفسه حبا شديدا ولا يعرف معنى الإيثار، كما أنه يندر أن يقدم المصلحة العامة أو مصلحة الآخرين على مصلحته الشخصية، بل إنه يعتبر من يفعل ذلك ساذجا وأحمق وغبيا، ومن سماته أيضا تلذذه بإلحاق الأذى بمن حوله خاصة أقرب الأقربين إليه كالزوجة والأبناء، إنه يحتال ويكذب.. يقول ثم ينكر أنه قال بكل ثقة وبدون أي خجل. وبشكل عام فإن هذه الفئة من الناس تعاني من غياب الضمير وغياب الخجل. وهم يجيدون التعبير اللفظي وتمثيل الانفعال المناسب للمواقف المختلفة لكن هذا التعبير ليس حقيقيا، وقد يستخدمون الألفاظ المناسبة للاعتذار عن سلوك معين ولكن الاعتذار غالبا ما يكون زائفا لأنهم لا يعرفون كيف يعتذرون بصدق، إضافة إلى أنهم لا يشعرون بالندم. ومن السمات الأخرى التي ترافق الشخصية السايكوباثية هي أن الغالبية العظمى منهم يعانون أيضا من (النرجسية) المفرطة، وبما أن الشخص النرجسي يتمركز حول ذاته (نفسي والطوفان من بعدي) فإنهم يعجزون عن الحب بل لا يعرفون معنى الحب الحقيقي، لذا نجد علاقاتهم الزوجية فاشلة، والمرأة عندهم مجرد أداة أو وسيلة لإشباع رغباتهم ولذلك تجد حياتهم الجنسية غير تقليدية وغير منضبطة، وعلى الرغم من قدرتهم على تمثيل الحب إلى أقصى الحدود إلا أن ذلك فقط من أجل الوصول إلى مآربهم الذاتية وكسب الثقة.

هم متعددو العلاقات غير الشرعية بل وأحيانا يكون لديهم شذوذ جنسي، والعملية الجنسية عندهم هي مجرد عملية فيزيولوجية بحتة. وهذا العجز عن الحب الحقيقي والارتباط العاطفي الوثيق يجعلهم غير قادرين على تكوين وبناء صداقات حقيقية، وتجد في تاريخهم صداقات تبدو في ظاهرها حقيقية بل وحميمة، ولكن ما أن ينتهي دور الآخر في العطاء سواء لمرض أو فقر أو أي نوع من أنواع العجز فإنهم يسقطونهم من قائمة الأصدقاء وينسوهم، لأن السايكوباثي متمركز حول نفسه وتتوقف أهمية الآخرين عنده على مدى استفادته منهم لتحقيق الغايات أو إشباع الحاجات. والشخصية السايكوباثية التي تصل إلى مناصب مرموقة أو إدارية متقدمة تجذب إليها شخصيات تحمل صفات السايكوباث مما يؤدي إلى تكوين ما يسمى المؤسسات السايكوباثية وتصبح هذه المؤسسات حاضنا لهذه الصفات ويكون بذلك تأثيرها على المجتمع أكثر ضررا وأشد أذى. وللأسف الشديد فإن مرض السايكوباث بشكل عام يُصنف من الأمراض النفسية التي ليس لها علاج، ويفضل الابتعاد عن المصابين به، لما لهذه الشخصيات من تأثيرات سلبية عميقة على المحيطين بهم سواء كان ذلك في مجال العمل أو البيت. وفي حالة عدم توفر خيار الابتعاد عنهم فإن مجرد التعرف على هذه الشخصية وتشخيصها التشخيص الصحيح يجعل الذين يتعاملون معهم مدركين لخطورتهم وآثارهم السلبية فيعملون على تفادي أذاهم وحماية أنفسهم من أن يصبحوا من ضحاياهم.