يقرأ ابني الأكبر على الأوراق الأولى من المادة الجامعية معلومة بحثية تشير إلى أن تكلفة الوصول إلى المنتج النهائي لأي من العقاقير الطبية تصل إلى 900 مليون دولار، وقد وصلت في كثير من العقاقير إلى المليارات السبعة. وبالطبع هي تكلفة مئات الباحثين ومثلها من معامل الجامعات ومراكز الأبحاث. وكثير من الأدوية لا يصل لجسمك مصلاً أو لفمك (حبة) إلا بعد ما يقرب من ألفي إضافة فاعلة عبر الحذف والزيادة وعبر آلاف طرق التجريب قبل الاعتماد النهائي. لكن ولدي، مثل آلاف الطلاب، وهو يقرأ هذه الإشارة البحثية من أجل التعليم وأيضاً للامتحان، لا يقرأ الصورة المقابلة. هو مثل غيره من (آلافنا) لا يقرؤون في البعد الفلسفي لهذه الصورة الأخلاقية التي أسهرت آلاف الباحثين وكلفت آلاف ملايين العملات الصعبة كي تكون هذه البشرية في وضع أفضل. هو على النقيض، ومثل ملايين الطلاب العرب في جامعاتهم يحشرون مع ذات الكتاب، آنف الذكر، كتباً أخرى في حقائبهم لتدريس الكراهية وتكريس شتم الأمم والحضارات وتقديس نظريات المؤامرة. والذي وصلت إليه وأنا أقلب العناوين وأسماء المؤلفين للكتب التي مر عليها ولدي في مجرد عامين من الجامعة، أن اسماً عربياً واحداً لم يأت بصفحة من آلاف الصفحات في كل هذه الكتب التي تدرِّس علوم الطب الأساسية. سبحت دون أن يدري في كتابه الجامعي الضخم عن خارطة (علم الأمراض) وهو إعجاز تأليفي يعجز مثلي عن تصفحه، ولكن وللتأمل: كان ولدي أمامي مشغولا بالامتحان الوشيك لبضع وريقات بلغة عربية كمتطلب جامعي هدفها أن ينظر بالشك وأن يصل حدود الكراهية للثقافة التي تكتب له وتؤلف وتبحث في وظيفة المستقبل، وبالطبع تركته بين أوراقه وذهبت لطاولة (والدتي): جدته التي تبلع في اليوم الواحد جرعات من عقاقير الضغط والسكر ومسيلات الدم وآخر صرعة في عقار تنشيط الذاكرة وبدون هذه (العلب)، ولو ليوم وحيد، ستكون حياتها على مفارق طرق مجهولة. المعلومة الأخرى، أمامي أيضاً تقول إن خمسين ألف عالم وباحث ومساعد يعملون هذا النهار كي يكون (السرطان) تاريخاً قبل نهاية هذا العقد. تكلفة أبحاثهم في عام واحد توازي ميزانية دولة عربية لا نفطية، وسأترك نهاية المقال مفتوحة للدروس والتأمل والعبرة. للسؤال الأخلاقي عن شراكتنا في المشترك ما بين الإنسانية.