كما يقولون "العتب على قدر المحبة" فمنذ ساعات الصباح الأولى ليوم الأربعاء الماضي الذي نشرتُ فيه مقالي "اللقيط.. وأبدان تصلي وقلوبها لا تُصلي"؛ وصلتني احتجاجات بعض أهالي العلا عليه عبر حسابي في "تويتر" ورسائل إلكترونية وحتى على هاتفي الجوال، وكم أشكرهم على احتجاجهم وتواصلهم وإن كان في الاختلاف معي، مطالبين صاحبة "كلاكيتيات" بالاعتذار على ما جاء في المقال، وهو ما حصل أيضا مع الزميل العزيز تركي الدخيل الذي تطرق لذات الموضوع في مقال له بجريدة الرياض حول خبر اللقيط والمصلين الذي تناقلته صحف إلكترونية.. وهنا أقول لأهل العلا "أنتم على العين والراس" والمقال أبدا لم يكن ينتقد العُلا ولا أهلها الذين لهم معزة كبيرة عندي، وربما لا يعرف بعضهم أن أكثر من كتب في الصحافة السعودية عددا من المقالات عن العلا وآثارها ومدائن صالح ونافح عنها وطالب باستثمارها وبفتح مطار بها هي صاحبة هذه الزاوية بعد أن تعلق قلبي بالعلا وأهلها منذ زيارتي الأولى لها عام 2006، وها أنا أعتذر لهم بقلب يمتلئ بالمحبة، مع العلم أني في المقالة إنما انتقدت فعلا؛ ولم أنتقد أهل المنطقة.

واعتذاري ليس لمجرد إرضاء أهل العلا؛ بل لأني اكتشفت عدم صحة الخبر الذي نقلته الصحف الإلكترونية؛ فقد هاتفني مشكورا الأستاذ حامد السليمان من أبناء العلا صباح الأربعاء وأخبرني أن المصلين صلوا على الطفل اللقيط ولم يمتنعوا وقد كان في المسجد جنازتان أحدهما لمُسن والأخرى للقيط، ويبدو أن موظفي "مغسلة الموتى" التي أوكلت لهم المستشفى مهمة غسل ودفن الطفل قد تأخروا في جلبه للمسجد فحدث سوء فهم في الأمر، ولكن إمعانا في التأكد من صحة الخبر وفهمه؛ طلبتُ منه أن يزودني بأرقام إمام مسجد عمر بن الخطاب الذي حصلت فيه الحادثة كي أهاتفه وأتأكد من حقيقة ما تم تناقله، وفعلا لم يتأخر عليّ فما هي ساعة حتى وهاتفني الأستاذ حامد من المسجد نفسه ومعه المؤذن الشيخ لافي أبو شقير رجل سبعيني يعمل في المسجد منذ 15 سنة؛ وتحدثت مع الشيخ لافي الذي أوضح لي أن المصلين صلوا على الجنازتين معا، المُسن والطفل اللقيط، ولم يمتنعوا عن ذلك؛ وحين انتهت الصلاة قام أهل المسن بحمله أولا وخرج الناس خلفه وتم وضعه في سيارة الموتى وبعد دقائق تم حمل الطفل اللقيط ووضعوه في ذات السيارة واتجه الناس بهما إلى المقبرة وتم دفنهما كما هي العادة.

لقد أحببت أن أوضح ما عرفته عن حقيقة القصة من مصدرها، مع التأكيد أن ما تناولته في مقالي السابق لم يكن انتقادا أبدا لأهل العلا الذين هم من أهل الخير والصلاح إنما هو انتقاد لقسوة بعض القلوب ممن يُوجدون في أي مكان، فكم من أبدان تُصلي وقلوبها لا تصلي تحولت لديهم الصلاة لعادة لا عبادة.