المقالة الماضية، احتفت بـ"ديوانية ألمع"، و"مجلس ألمع الثقافي"، بوصفهما أنموذجين للفعل الثقافي من أجل الثقافة وحسب، وأتت المقالة على وجود شيءٍ من ذلك في أبها، مما فتح الباب على محاولة رصد نظائر هذين المجلسين في جهات عسير.
تشير الشواهد إلى أن تركي بن ماضي, أمير عسير بين عامي 1371، و1385هـ, كان صاحبَ اهتماماتٍ أدبية. يصفه الشيخ هاشم النعمي بأنه: "من رجال الإدارة, والسياسة, والقلم", هذا القول يدل على أن مجلسَه لا يخلو من المطارحات الأدبية, والثقافية.
ويأتي مجلس الأمير خالد الفيصل في مقدمة المجالس التي أثْرت الحياةَ الأدبية في عسير, وقد بدأه في الرياض أواخر الثمانينات الهجرية من القرن الماضي. يقول عنه الشيخ حمد الجاسر: "وها هي بادرة أملٍ أبصرت وميضَها في صحافتِنا الحديثة, وقرأت شيئاً عنها, مما كتبَه عنها إلي أحد أبنائي في الرياض عن منتدى خالد الأدبي.... وهذا ما يدفع إلى القول بأننا سنجد في هذا المنتدى الوسائل التي نرجو أنْ يكون من أثرِها انقشاع غيابة هذا الركود".
وبتعيين الأمير خالد الفيصل أميراً على عسير سنة 1391هـ, نقَلَ هذا المنتدى إلى أبها, حيث كان مساء السبت خاصاً بالقضاة, وأساتذة الشريعة, وفيه يتلقى الحاضرون درساً في النحو, ثم تلقى محاضرة: الفقه, أو العقيدة, فيما خصص مساء الأحد للأدباء, وفيه تلقى محاضرةٌ في الأدب, أو النقد, أو الفكر, وقد تكون بعض الأحديات أمسياتٍ شعرية فصيحة للشعراء البارزين. ولقد كان الأمير ـ كما شهدت عبر سنوات ـ يدير مجلسه بنفسه, ويستمع أكثر مما يتحدث, وكان لهذا المجلس دورٌ مهم في إثراء الحركة الثقافية بعسير, إذ بات المختصون يتنافسون في تجويد أبحاثهم لتلقى فيه, كما شهدَ هذا المجلس إلقاء قصائد باتت جزءاً مهما من تاريخ الحركة الشعرية.
وكانت تقام في أبها اثنينية أبو ملحة بأبها, منذ سنة 1420هـ, ولا أعرف أسباب توقفها، وفي تنومة تقوم اثنينية تنومة الثقافية منذ عام 1422هـ, وهي موسمية تعقد خلال فترة موسم الصيف.
وهناك منتديات أخرى مستحدثة في السنوات الأخيرة, مثل: مركز آل زلفة الحضاري الذي بدأت مناشطه المنبرية في صيف عام 1430هـ, وأحدية الدكتور محمد الحازمي بأبها.
وكان للشباب دور مهم، ومحاولات بدت بديعة في بداياتها، إلا أنها اختفت، ومن ذلك جماعة وقف, التي كانت تضم مجموعة من الشعراء والفنانين من المنتمين إلى المدارس الحديثة, وجماعة شتّى التي تشتّتت قبل التئامها، وجماعة نقد التي كانت ترعاها جمعية الثقافة والفنون, وأسستها مجموعةٌ من الشباب المهتمين بالفكر والأدب, بهدف خلق نوع من الحراك الثقافي والاجتماعي, وتدل عنوانات المحاضرات التي أقامتها هذه الجماعة على اختلاف اهتمامات الأعضاء بين: الأدب, والفكر, والتاريخ.
خلاصة القول؛ الفعل موجود، والطاقات متوافرة، بيد أن عدم الاستمرار داء يئد قبل بلوغ "الحلم".. أبها تستحق أكثر..