يأتي معرض الكتاب ـ التظاهرة الوحيدة في البلد التي تذكر الناس بالقراءة ـ ليعيد ذات الحوارات والمطالبات والصدامات التي نعيشها منذ سنوات، دون أن تتغير القناعات وتتبدل الأساليب، أو حتى تتدخل أي جهة رسمية لفض "مولد" الفوضى التي تصاحبه.

فريق يعارض المعرض، وهم محتسبو قطاع خاص، لا ينتمون للمؤسسة الرسمية، يعلنون كما جرت العادة، رفضهم للمعرض، ويهددون بالتدخل لمنع المنكرات ـ كما يصفونها ـ وهي في نظرهم الكتب التي تدعو للكفر والزندقة ـ بحسب تعبيرهم ـ والتصدي للاختلاط، ومن ثم يبدؤون عملهم في مخاطبة دور الكتب قبل نزولهم الميدان لأداء المهمة.

وفريق يعارض الفريق المعارض للمعرض، وهم مجموعة المثقفين والقائمين على المعرض وكتّاب الصحف، وهؤلاء، أكاد أجزم، أنهم يستخدمون ذات الجمل والأفكار والحوارات والمقالات التي يستخدمونها سنويا، والفريق الآخر في نظرهم هم مجموعة من "الظلاميين" و"المخربين".

يحدث هذا العراك سنويا وفي نفس التوقيت، دون أن يكون هناك أية ردة فعل رسمية من أي جهة، سواء بالسماح للفريق الأول بالاحتساب أو بالامتثال عند رغبة الفريق الثاني ومنع المحتسبين من التدخل في شؤون المعرض، ولسان حال هذه الحالة، الجملة التي كنا دائما نسمعها في الأفلام المصرية: "يبقى الحال على ما هو عليه، وعلى المتضرر اللجوء إلى القضاء".

لكن يبدو أن المتضرر الوحيد من هذه الفوضى، هي القراءة نفسها، فالإخوة المحتسبون يعكسون للمجتمع صورة قبيحة عن ارتباط الكتاب بالتفسخ الأخلاقي والكفر، فيما يعلو صوت المثقفين والكتّاب بطريقة مبالغ بها، تجعل المرء يعرض عن المعرض وبالتالي يعرض عن اقتناء الكتب والقراءة.

وهناك من يرى أن هذه الحالة صحية، وهي دعاية قوية للمعرض بالمجان، يفتعلها الفريقان دون أن يشعرا بذلك، فتجد أروقة المعرض تغص بالبشر، الذين يشترون الكتب بكميات كبيرة، ويضعونها على الأرفف دون أن يلمسوها، حتى يأتي موعد المعرض في السنة المقبلة.