نساء كريمات وصادقات.. إنما تلك مظاهر لا تحمل شيئا من البراءة، ولا تعكس واقعهن ولا كرم أخلاقهن، ولا يمكن لأحد أن يزايد على المجتمع السعودي في تعامله مع المرأة والحفاظ على حقوقها والسعي للنهضة بواقعها. أيضا لا يمكن لأحد أن يجادل في أن لكل أم أو زوجة الحق في السؤال والمطالبة والسعي للإفراج عن زوجها أو عائلها السجين، كيفما كانت تهمته، لها كل الحق في ذلك، وفي المملكة تجارب إيجابية وبحاجة للمزيد من الدعم والتطوير، وهي التي تتعلق بدعم أسر السجناء ومساندتهم حتى خروج عائلهم.

في ملف الموقوفين أمنيا، القضية ليست في دعم أسرة السجين ولا في الإفراج عنه ولا في تعجيل محاكمته، إنها محاولات واسعة لاتخاذه مدخلا للتصادم بين المجتمع وبين المؤسسة الأمنية، وهي كما قال اللواء منصور التركي المتحدث باسم وزارة الداخلية: تهدف لفقد ثقة المواطن في رجال الأمن.

كلنا نستطيع أن نعدد عشرات الأساليب والطرق للمطالبة بالإفراج عن سجين أو التعجيل بمحكوميته، ومع أن كل هذا مرتبط بواقع معقد جدا في ملف الإرهاب، إلا أن كل الطرق المتاحة والعاقلة ليس من ضمنها الزج بالنساء الكريمات واستخدامهن ذريعة للقول بأن رجال الأمن في هذا الوطن يقومون بإهانة النساء، مع أننا ندرك أن الإهانة الحقيقية تتمثل في إخراج إحداهن للشارع وتصويرها وتحويلها إلى مجرد ورقة ضغط، لا لأن ذلك سيؤثر إيجابا على ملف الموقوفين أمنيا، بل لأن هذا جزء من التوظيف الحركي البغيض لهذا الملف.. إنها محاولة لإيجاد صدام بين المجتمع من خلال إحدى أبرز محاذيره التي تربى عليها، وهو حفاظه على المرأة وكرامتها وحمايتها من أي تعرض لها، وكلنا تربينا دينيا واجتماعيا على الرفض المطلق لأي إهانة يمكن أن توجه لأي من إخواتنا أو أمهاتنا أو نسائنا.

طالما حملت أدبيات الصحويين مفردات وكلمات وشعارات عن كرامة المرأة وحريتها، إلى الدرجة التي أصبح ذلك يتعارض مع بعض حقوقها، فهي لا يجب أن تقود السيارة، لأنها جوهرة مكنونة ودرة مصونة وهناك من يخدمها، حسنا، وهي لا يجب أن تعمل في أي مكان، لأنها جوهرة ودرة وهناك من يتولى القيام على شؤونها وخدمتها.

حسنا إذن، ألا يوجد هناك من يتولى القيام بالمراجعة نيابة عنها في شأن قريبها الموقوف؟ ولماذا لا تكون مراجعتها إلا وفق هذا النموذج؟

سبقني الزميل العزيز فهد الدغيثر في مقاله الأسبوعي في صحيفة الحياة حين أشار إلى استخدام مفردة (حرائر) لوصف النسوة الكريمات اللواتي تم حملهن على الاعتصام والتظاهر، وهي لقطة موفقة للغاية، فهذه المفردة لا تحظى بأي حضور في كل قاموسنا الذي نتعامل به مع المرأة اجتماعيا أو دينيا أو وعظيا أو حتى أدبيا، فقط في أدبيات الثورات والانقلابات وفي ظروف التجييش والمواجهة التي شهدتها بعض البلدان العربية ظهرت هذه المفردة، فهي مرتبطة بمناخ المواجهة والثورة، ورديفة لمفردات مثل الماجدات، وهذا جزء من غباء الإدارة الحركية لهذه القضية، وجزء من استعجال الانتقال إلى هذا المناخ، في انكشاف واضح للفكرة والهدف.

لا أبالغ إذا قلت إن كل النساء اللواتي شاركن في تلك الأحداث هن نساء كريمات بنات كرام، وبالتالي فهن أكرم من أي توظيف أو استغلال يحدث لهن ولظروفهن، وإلا فالجميع يدرك أن كل التحركات لا يمكن أن تطلق سراح متهم، ولا يمكن أن تؤدي لاعتقال بريء. وأنا أجزم أن المحرضين على ذلك يدركون هذا جيدا. ومثلما أن المطالبة بالحق أمر مشروع ومنطقي، فكذلك سبل ووسائل تلك المطالبة يجب أن تكون بذات المنطقية والشرعية.

المملكة هي آخر وطن يمكن المزايدة عليه في تعامله مع النساء، إلى درجة أن الصوت السائد في كل ما يتعلق بقضايا المرأة هو الصوت المحافظ الذي يحظى غالبا بكثير من القبول الاجتماعي، ولذا فإن التفعيل الحقيقي لإكرام المرأة لا يتمثل في المواعظ والشعارات، بل يجب أن يكون واقعا في كل الظروف والأحوال.